تطور الحرب في الصحراء الغربية يستدعي إستفادة جبهة البوليساريو من عضويتها في إتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين.

مدريد، 7 ديسمبر 2021 (ECSAHARAUI)





بدأت الحرب الدائرة رحاها في تخوم الصحراء الغربية في تطور ملحوظ مع مرور الوقت منذ إعلانها في الـ13 نوفمبر 2020، وبعد تجازوها لثمانية أشهر ظهرت أساليب جديدة غير معتادة ولم تكن إلى جد ما متوقعة في تلك الوقت، ومع إرتفاع نسبة العمليات العسكرية من الجانب الصحراوي الذي ظل صاحب المبادرة طيلة تلك الفترة، كان لابد للطرف الآخر قوة الإحتلال -المملكة المغربية- إعادة حساباته للحفاظ على الوضع الراهن وحصر الهجمات الخاطفة على جدا مواقع في جدار العار لتفادي تجاوز تلك النقطة إلى أماكن ما وراء الجدار والذي من شأنه أن يكشف المستور داخل الجيش وعلى مستوى الرأي العام في ظل الإحتقان الذي يعيشه المغرب.



هذه المواجهات الدائرة على طول جدار العار بشكل متفاوت الخطورة، وعقب العملية النوعية للوحدات الخاصة في منطقة أتويزكي بالشمال والكركرات جنوبا، كان لابد للنظام المغربي وبعد إصرار طيلة 10 أشهر الأولى على التنكر لوجودها وإصدار أوامره لكل وسائل الإعلام بعدم الخوض فيها، أن يكشف أوراقه الأولية في هذه الحرب وهي الإعتماد على العتاد والخبرة الاسرائيلية للحد من الهجمات وتقدم وحدات الجيش الشعبي الصحراوي إلى مواقع جد متقدمة قد تخلط أوراق الجيش المغربي وتضع سيناريو أخر لم يكن في الحسبان لهذه الحرب.



لقد كان أول ظهور لثلاث طائرات مسيرة للاستطلاع (درون) تسملها المغرب من إسرائيل يناير 2020، في كل من مطار الداخلة والسمارة المحتلتين، إشارة أولى من الاحتلال لبداية تغيير المعادلة على الأرض، وهو ما تحقق بالفعل بعد إستشهاد قائد الدرك الصحراوي الداه البندير أبريل الماضي إثر غارة جوية جرى الترتيب لها بإستخدام هذا السلاح المتطور والدخيل على المنطقة والحرب الدائرة بين الجيشين الصحراوي والمغربي منذ بداية النزاع المسلح في منتصف سنوات السبعينات. بل جعله العمود الفقري في منظومته للحد من تقدم الجيش الصحراوي رغم العيوب الكثيرة لهذا النوعية من المعدات الحربية، التي جعلت الدول القليل التي تمتلكه لا تعتمد عليه كسلاح محوري في معاركها وإستراتيجيتها الحربية، بسبب حاجته إلى خدمة الجيل الرابع (4G) ما يجعل هذه الطائرات سهلة الإختراق والتحكم فيها من العدو مهما كانت برامج التحكم المستخدمة.



في الصحراء الغربية وبحكم الوضعية الخاصة لهذه المنقطة، تكون عيوب الطائرات المسيرة أكثر بالنظر لتركيبتها وطريقة الاستخدام ولكن أيضا لضعف خدمة الجيل الرابع وهذا ما تبين من خلال مناطق محددة تقوم بتغطيها والقريبة جدا من جدار العار، هذا الأخير الذي يظل في الوقت الحالي الأساس في السياسة الدفاعية لجيش الاحتلال للحد من تقدم الجيش الصحراوي الذي ينقصه سلاح الجو لضرب العمق في الجنوب المغربي أو نقاط إستراتيجية في الأراضي المحتلة بالصحراء الغربية. هذه الوضعية تخدم بكثير جيش الاحتلال الذي ما يزال يعتمد على الخطة الدفاعية والاكتفاء بها كأساس مع التركيز على استهداف مواقع مدنية معروفة (مركبات، طريق تجاري، تجمعات سكنية) لإعطاء إنطباع على قوته في الاختراق والتقدم لضرب معنويات مقاتلي الجيش الصحراوي الذين يعتمدون على معدات تقليدية في حرب الاستنزاف التي بدأت منذ 13 نوفمبر 2020.



خطة النظام المغربي تجاه جدار العار والمدنيين في المعابر التجارية على الحدود الضيقة بين الحدود الثلاثية (الجزائرية، الصحراوية، الموريتانية) تتطلب دراسة خاصة ومستعجلة ولو بخطط قصيرة المدى قابلة للتطوير لاحقا حسب كل خلل ونقص أو تطور في إستراتيجية العدو، ليست فقط خطط عسكرية ولكن على المستوى الخارجي والسياسي، فكما هو معروف تمكنت جبهة البوليساريو بعد مشاور طويل ومحاولات كثيرة من إستيفاء الشروط الضرورية لإنضمام كطرف في إتفاقيات جنيف الرابعة، كأول حركة تحرير وطني في التاريخ، ما يمنحها القدرة على التحرك في هذا الجانب من أجل ضمان توفير الحماية الكاملة للمدنيين في ظل الحرب الدائرة رغم إنكار الطرف الأخر في الإتفاقية لها، وفق منطوق المــادة (2) (علاوة على الأحكام التي تسري في وقت السلم، تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب…) ويتم تطبيقها وفق المادة (6) (بمجرد بدء أي نزاع أو احتلال وردت الإشارة إليه في المادة 2. و يوقف تطبيق هذه الاتفاقية في الأراضي المحتلة بعد عام واحد من إنتهاء العمليات الحربية بوجه عام، ومع ذلك، تلتزم دولة الاحتلال بأحكام المواد التالية من هذه الاتفاقية : من 1 إلى 12، 27، ومن 29 إلى 34 و47، و49، و51، و52،و53، و59، ومن 61 إلى 77 و143، وذلك طوال مدة الاحتلال مادامت هذه الدولة تمارس وظائف الحكومة في الأراضي المحتلة) ما يعني وفق المادتين أن النجاح في تحقيق أهداف هذه الخطوة ستفتح الباب حماية المدنيين الصحراويين في الأراضي المحتلة في الوضع الحالي وفي حالة ما تم وقف إطلاق النار من جديد دون إنسحاب الاحتلال، خصوصا بعد اليقين التام أن تمديد ولاية المينورسو من داخل مجلس الأمن لتشمل حماية حقوق الإنسان لحماية مواطنينا أصبح من المستحيل في ظل تواجد فرنسا كعضو دائم، على عكس إتفاقية جنيف الرابعة.



إن الحديث عن حصر حرب الحالية في الصحراء الغربية في يد الجيش لوحده خطأ فادح أو بشكل أخر إختصار للطريق نحو النهاية المأساوية، إذ لا بد من حراك سياسي، إعلامي ومدني ينسجم مع الحرب العسكرية للجيش الشعبي حتى تكتمل الأضلاع الأربعة لمربع معركة التحرير (المواجهة العسكرية، الدعم السياسي، الحرب الإعلامية، المقاومة المدنية من الداخل) حيث وبكل تأكيد سيكون من المستحيل أن ينتهي هذا الترابط المحكم بالخسارة، فيكفي فقط النظر إلى السياسة المتخذة من قبل العدو فيما يتعلق بالتطورات الأخيرة في الصحراء الغربية، والتي ركزت على إخفاء معالم الحرب، الحصار الإعلامي وتشويه الحقائق على الأرض، حشد الدعم السياسي من قبل بعض البلدان العربية لسياسته التوسعية إلى جانب دور فرنسا في مجلس الأمن ومحاولته إبعاد الإتحاد الإفريقي عن النزاع، ثم فرض حصار خانق على المدنيين في الأراضي المحتلة. بالتالي فإن أي خطوة تنساق أو تتقاطع مع إستراتيجية العدو المشار إليها يشكل إضعافا للمعركة التي نخوضها من أجل تحقيق تطلعات شعبنا وإستكمال بسط سيادة دولتنا على كامل أراضينا الوطنية.



بخلاصة، أي محاولة لجعل الجيش الصحراوي لوحده يخوض التصعيد المرتقب وفق تصريحات قيادات عسكرية، بإستراتيجية تقليدية سيجعله لا محالة فريسة للتحالف العسكري للعدو مع بعض القوى الأجنبية، وسيكلفنا الكثير في وقت نحن قادرين على ضرب إستراتيجية الإحتلال وقلب موازين القوة على الأرضي لصالحنا بإستخدام الأضلاع الأربعة السالفة الذكر التي لا مجال للاستغناء عن أي منها لتحقيق الفارق الضروري لتمهيد الطريق نحو الهدف المنشود الاستقلال والحرية للشعب الصحراوي. ''سننتصر.. حين نتسلح ونجسد صورة تعكس علاقة الجيش كمدافع عن الوطن والتعاطي مع الخارج - حين تفوز روايتنا للأحداث - وحين نجبر العدو على القيام بما نريده - وحين نحقق إجماع وطني لموقفنا''.