خلفيات تحرك ثباطيرو و بونو لدعم موقف بيذرو سانتشيس المؤيد للمغرب في الصحراء الغربية

مقال رأي

مدريد (ECS).- تحمل الهجمات الإرهابية ضد محطة اطوتشا (ATOCHA) للقطارات بالعاصمة الإسبانية، بتاريخ 11 مارس 2004، اسرارا و الغازا اصبحت، بفعل قوة الأحداث المحيطة بها، تخرج للعلن. 

نحن هنا لسنا بصدد كتابة حلقة من سلسة شريط بوليسي و لا من مسرحية درامية و إنما نستعرض حقائق تاريخية ثابة، يستعصي إنكارها او طمسها، لثبوت ادلتها و وضوح وقائعها و تلاحق مراحلها. 

التحرك الأخير لرئيس الحكومة الاسبانية الاسبق خوسي لويس روذريغيس ثباطيرو و وزراء من حكومته مثل وزير الدفاع خوسي بونو و وزير الخارجية ميغيل آنخيل موراتينوس و وزير العدل، عضو البرلمان الأوروبي حاليا، لوبيس اگيلار، لدعم موقف بيذرو سانتشيس رئيس الحكومة الاسبانية الحالي فيما يتعلق بالقضية الصحراوية، يميط اللثام عن إمتلاك المغرب لورقة خطيرة يبتز و يضغط بها كلما كان في حاجة الي تنازلات كبيرة سياسية او اقتصادية من مدريد. 

ماذا يعني كل هذا ؟ 

لا بد من الإشارة أولا إلي أن العملية الإرهابية يوم الخميس 11 مارس 2004 ضد محطة السكك الحديدية بمدريد تم تنفيذها بثلاثة ايام فقط قبل الإنتخابات العامة الاسبانية التي نظمت يوم الأحد 14 مارس و كانت، حسب غالبية المراقبين و المتابعين الاسبانيين و الاجانب، هي التي ساهمت عمليا في فوز غير منتظر للحزب العمالي الاسباني (PSOE) و مرشحه ثباطيرو، علي حساب الحزب الشعبي( PP) و عجلت  بسقوط حكومة خوسي ماريا اثنار. 

يسجل حدوث الوقائع السالفة الذكر بعد سنة بالتمام و الكمال أي يوم 11 مارس 2003 تاريخ إنعقاد مؤتمر جزر الآثوريس (Azores) و الذى شارك فيه أثنار إلي جانب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن و الوزير الأول البريطاني طوني بلير في إطار تحالف اسموه " التحالف العالمي ضد الإرهاب"، و الذي رفضت فرنسا، بقيادة جاك شيراك، المشاركة فيه و اعتبرت أن انضمام إسبانيا إليه يسيئ إلي المصالح الفرنسية كون أمريكا و بريطانيا اقتسمتا مناطق النفوذ و الثروات البترولية في العراق حصريا بينهما قبل بداية الحرب. 

كما تجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة الاسبانية السيد اثنار لا تربطه علاقات ود بالقصر الملكي المغربي، بل انه دخل في مواجهة عسكرية مع المغرب يوم 11 يوليوز 2002 على إثر دخول جنود مغاربة الي جزيرة بيريخيل/ليلي ( PEREJIL) و أمر بطردهم منها بالقوة يوم 19 من نفس الشهر, كما انه رفض الوساطة الفرنسية  للأزمة بسبب انحياز فرنسا للرباط. 

و كان التدخل الأمريكي هو الذي حسم الأمر لصالح إسبانيا و تم بذلك تفادي الحرب أمام التصميم القوي لرئيس الحكومة الاسبانية. 

العلاقات المتوترة بين إسبانيا و المغرب بسبب موقف أثنار المطالب بتنظيم الإستفتاء في الصحراء الغربية و تقربه من الولايات المتحدة الامريكية بل و دخوله في حلف معها إلي جانب طوني بلير، أمور كلها، افاضت الكأس في باريس      و محميتها المغربية، و ألقت بظلالها على  العلاقات بين إسبانيا من جهة و فرنسا و المغرب من جهة ثانية.  

شهدت هذه  الحقبة الزمنية، إذن، بداية ال2000، تحولا جيوسياسيا هاما مع بروز حكومة إسبانية بقيادة اثنار التى  قررت اتباع الندية و الاستقلالية في علاقاتها مع فرنسا     و دول الجوار، و علي صعيد الأمم المتحدة، خاصة علاقاتها مع الولايات المتحدة الامريكية، الشيء الذي لم ترض  عنه باريس، التي تعتبر شمال إفريقيا منطقة نفوذها و أنها كذلك هي المحاور الأوروبي الأول لواشنطن فيما يتعلق بالسياسة الدولية. 

الإرهاب احد وسائل الإحتلال في خدمة اجندات القوي الاستعمارية. 

كان لزوما، و الحالة هاته، كما شرحنا آنفا، منع إسبانيا من دخول قاعة اللعب علي طاولة الكبار. فكانت مذبحة اطوتشا (193) قتيلا و ازيد من (2000) جريح، هي الوسيلة التي عصفت بالتوجه الجديد لخوسي ماريا أثنار. 

اتوتشا (Atocha) كانت إذن هي الحجر الذي  اصاب عصفورين: أولا تغيير الموقف الاسباني من قضية الصحراء الغربية من خلال التخلي عن التمسك بمخطط التسوية (الاستفتاء) و ثانيا منع مدريد من مزاحمة باريس التي  جسدت في تحالف مؤتمر الأثوريس. 

مع ما سبق يمكن: 

1- الجزم أن المخابرات المغربية هي التي  كانت تقف وراء  العملية  الجبانة  و الشنيعة بطوتشا  في 11 مارس 2004 , والتى راح ضحيتها  كما قلنا آلاف الأبرياء.

2-  الجزم  كذلك أن شخصيات  قيادية  في الحزب العمالى الإشتراكي الاسباني,  كانوا هم ايضا  متورطين في العملية الارهابية، و كانوا على  دراية تامة بتاريخ الضربة البائسة و الإجرامية التي قلبت الطاولة و نتائج الإنتخابات. 

3- الأكيد كذلك أن مخابرات دولة ثالثة كانت ضالعة في المؤامرة، تماشيا مع سياسة بلدها ونظرته   الإستعمارية و سياسة الهيمنة التي ينتهجها. 

خرج ثباطيرو منتصرا و مجموعته بفضل ما اصبح يعرف في إسبانيا اختصارا ب 11م/11M التي مهدت للوبي المغربي بزعامة مؤسسه فيليبي غونثاليس الاستلاء على السلطة باسبانيا. 

قرار بيذرو سانتشيس تغيير موقف إسبانيا من القضية الصحراوية يجد تفسيره في إمتلاك المغرب لورقة رهيبة و أدلة قاطعة تثبت تورط قيادات حزبية من الحزب الأشتراكي العمالى الاسباني في عملية اطوتشا الارهابية. 

هذا الابتزاز المغربي للحكومة الاسبانية الحالية بقيادة سانتشيس تمخضت عن الرسالة الفضيحة إلى ملك دولة الإحتلال، محمد السادس، بصياغة مغربية لم تحترم لا الشكل و لا المضمون، كشفت أن إسبانيا لم تتخلص بعد  من عقدة  النقص، أمام التفوق الفرنسي، و انها  لم تثبت أي قدرة لها  على انتزاع  مكانة لها كقوة اقليمية قادرة علي المحافظة على مصالحها و لعب دورها السياسي و القانوني في مرافقة شعب مستعمرتها السابقة ( الصحراء الغربية)  حتي يتمكن من ممارسة حقوقه الثابة في تقرير المصير و الإستقلال. 

لا شك أن اشخاصا رئيسيين في قيادة الحزب الأشتراكي الاسباني ارتموا في احضان نظام فاسد و توسعي، في خرق سافر  لقرارات الشرعية الدولية، و في تناقض تام مع الاجماع الحزبي و الشعبي في إسبانيا بما فيه تضامن القاعدة الشعبية  التي ينتمون إليها. 

القرار  المخزي لبيذرو سانتشيس,  الذي ينتمي إلي الجيل الجديد في الحزب الشعبي، و الذي  كان بعيدا، و الى فترة قريبة،  من مجموعة زوار فندق المامونية و اللوبي الاسباني المعروف، بقيادة فيليبي غونساليس،  يثبت أنه تحرك بسرعة لإقبار و اخفاء ملف اطوتشا، فكان ثمنه هو  الانبطاح  أمام  المحتل المغربي. 

احتياج المحتل المغربي الى الاصطفاف وراء قرار ترامب  لانقاذ نزامه الغريق  في ورطة الصحراء الغربية جعله يلوح باستعمال ورقة اطوتشا فكان اختيار اللوبي الاسباني  هو الرضوخ للابتزاز المغربي بدل مواجهة تبعات تسريبات الدلائل المادية التي تؤكد ضلوع قيادات مرموقة في المجزرة الارهابية باطوتشا  والتى تحوز المخابرات المغربية على تفاصيل ملفها.