أكديم إيزيك: الحق في الغضب (الغضب الذي كشف سوءات الأمم المتحدة في الصحراء الغربية)

القنيطرة، 07 نوفمبر 2020 (ECSAHARAUI)



بقلم: النعمة أسفاري

ترجمة: ناجي محمد منصور


يصف الفيلسوف الألماني فريديريك هيغل في كتابه الفلسفي الشهير "فينومينولوجيا الروح"، صراعا بين فردين يقود لاستعباد أحدهما الأخر. أسجل في البداية أني أتمثل الأخر باعتباره تهديدا لهويتي. ويدخل الطرفان صراعا حتى الموت من أجل نزع الاعتراف. وهو صراع سينتهي باعتراف العبد بهيمنة السيد وسلطته. إلا أن هذه العلاقة ليست ثابتة بل يحكمها القانون الجدلي. لأن السيد في واقع الأمر يحتاج للعبد ليحظى باعتراف كونه سيدا. والسيد وفقا لهذا المنطق ليس حرا. ويستطيع العبد بدوره نزع الاعتراف بذاته عبر الشغل الذي يعتبر عماد وجوده، وهو وجود تم نفيه في البداية من طرف السيد. 

نستطيع على ضوء هذا التصور الفلسفي الهيغلي أن نفهم نضال الشعب الصحراوي في المناطق المحتلة. يمكن أن نقرأ عبر منظور جدلية العبد والسيد حركة المقاومة الصحراوية، ونسلط الضوء أيضا على ملحمة أكديم إيزيك سنة 2010، والتي تعتبر لحظة تاريخية مشرقة في مسار نضال الشعب الصحراوي السلمي. 

لماذا يعبر أكديم إيزيك عن غضب شعب؟ الغضب، ذلك المكبوت الكبير الذي ميز العقود الثلاثة الأخيرة من مرحلة "اللاحرب، واللاسلم". ها هو يطفو على السطح مجددا مع ما يحدث في الكركرات منذ 20 أكتوبر 2020. تلك المنطقة التي تشهد مظاهرة سلمية ينظمها مدنيون صحراويون قادمون من مخيمات اللاجئين في تيندوف ومن المناطق المحررة. إنهم يريدون الاحتفال بأكديم إيزيك ويحتجون على الدور السلبي الذي تقوم به المينورسو – بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء تقرير المصير بالصحراء الغربية -. 

ولفهم كل ما يحدث في هذه الأثناء في أرض الصحراء الغربية، ما عليكم إلا قراءة مقال "الغضب والزمن" للفيلسوف الألماني بيتر سلوتيردجيك الذي نُشِرَ سنة 2006، والذي اعتُبِرَ نبوءة بما سيحدث في المستقبل، رغم أنه صار الآن من الكتب الكلاسيكية في الفلسفة السياسية. يعتبر سلوتيردجيك الغضب المحرك الأساسي للتاريخ، ويقول "إن الغضب هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس". ويرى هذا الفيلسوف الألماني أن الثيموس هو محرك الأفعال في الحياة السياسية. والثيموس هو مفهوم نحته أفلاطون للحديث عن جزء من الروح مرتبط بالانفعالات والوظيفة الاجتماعية للفرد في آن واحد. كيف تستطيع تحرير نفسك من الغضب السالب لتخلق الغضب الفعال والبَنَّاءَ؟ ويرى بيتر سلوتيرجيك أن هذا هو الامتحان الصعب الذي تفشل فيه العديد من الحركات والأحزاب السياسية.

يعتبر البطل الأسطوري أخيل مثالا حيا لهذا الغضب الصوري والضال والخطير أيضا. ولهذا فإن مسألة جعله يسير على الصراط المستقيم أمرا لا مفر منه.

وكما توجد أبناك لتخزين الأموال، توجد بالمثل أبناك لتخزين الغضب في انتظار قطف ثمار كظمه ولو لحين.

إلى ماذا يحيل هذا البنك العاطفي في الحالة الصحراوية؟ هل يحيل إلى الاحتلال؟ أم إلى واقع الحال المفروض منذ سنة 1991 من طرف الأمم المتحدة على أمل تنظيم استفتاء تقرير المصير باعتباره الآلية التي يمكن عبرها تجسيد مطلب الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال؟ ألم تقطع الأمم المتحدة وعدا على الصحراويين يقضي بتنظيم الاستفتاء والدفاع عن مصلحة الشعب الصحراوي وحقه في تقرير المصير؟ 

وتعتبر الأمم المتحدة أيضا بنكا من "بنوك الغضب" ما دام الصحراويون يتوسمون فيها الدفاع عن مصالح الشعب في العالم أجمع. هذا المنظور الذي يسميه سلوتيردجيك "العواطفية"، أي ذلك المنظور الذي يركز على الانفعالات، كان حاسما في توضيح الكثير من الأمور بالنسبة لي. لأنه جعلني أرى في الأمم المتحدة بنكا من "بنوك الغضب" التي أودع فيه الصحراويون مطلبهم الأساسي على أمل أن تساهم المنظمة الأممية في إنجازه. إلا أن هذه الأخيرة فقدت مصداقيتها بعد أن أصبحت بالكاد تلعب دور الوسيط.

نستطيع الجزم بأن تطور الأحداث الدراماتيكي ابتداء من أكديم إيزيك في أكتوبر 2010 حتى مظاهرة الكركرات في أكتوبر 2020، يعتبر مؤشرا على تيهان الأمم المتحدة. يمكن اعتبار الأمم المتحدة بمثابة شخص مصاب بهوس السرقة، قام بسرقة الضحية لتسليمها إلى الجلاد. يساور الصحراويون قلقا من الروح السارية في الأمم المتحدة منذ عشرين سنة، والتي تدفع المنظمة الأممية إلى اعتبار المسألة الصحراوية بمثابة "تسوية خلاف"، وليست صراعا بين الاحتلال وتقرير المصير. وقد عولجت القضية منذ سنة 1991 بمصطلحات أخرى. نتحدث اليوم عن "حل خلاف" وكأن لا وجود للاحتلال، ولمخطط أممي لتنظيم استفتاء تقرير المصير. والشعب الصحراوي هو الخاسر الأكبر في ظل هذا الوضع القائم. وعندما تساوي الأمم المتحدة بين الجلاد والضحية فهي تساهم في خلق بيئة قابلة للانفجار في أي لحظة. لأن تنفيذ المخطط الأممي الذي بدأ سنة 1991، لا ينحصر فقط في إيقاف الاحتلال ولا وضع حد لنهب الثروات بل يمنح معنى لحضور الأمم المتحدة في الإقليم. وأن تكون خاسرا هو الإهانة بعينها. ما هو رد الفعل المنتظر عندما نخسر؟ إنه الغضب حتما! .  

ويخلص سلوتيردجيك في تحليله لغضب الخاسرين بالقول أن "كل الخاسرين لا يركنون إلى الوعي بطبيعة مقامهم ضمن الأطراف المتصارعة. وسيرد أغلبهم بأنه لم تكن لهم أدنى فرصة للمشاركة في اللعبة والتموضع بعد ذلك. لأن غضبهم لا يستهدف المنتصرين، بل يستهدف قواعد اللعبة أيضا، إن الخاسر الذي يلجأ للعنف في نهاية المطاف يُظهر انسداد الأفق في السياسة الناتج عن فقدان الأمل في الحلول السلمية".

أكديم إيزيك بالنسبة للصحراويين هو الغضب الأجمل والخالص والعادل، لأنه كشف الاختلالات في نظام الأمم المتحدة. لقد كان أول بيت في قصيدة الإلياذة هو: "يا موسى غني لي أغنية غضب أخيل". وغضب أخيل كان تجسيدا للحق. إن هذه العلاقة بالعدالة، تفسر عند أرسطو مثلا، مفهوم "الغضب الخالص" والذي لن يكون غريبا عن فضيلة العدل المعقول. ولكن الغضب الذي يسعى لإحقاق الحق يمكن أن يتعالى على الحق ذاته.

في خضم الغضب يختفي الوضوح، ليفسح المجال للتسويات، والشكوك المؤقتة. ولم يكن المشهد الأخير الرائع في ملحمة الإلياذة بين أخيل وبريام هو المصالحة. بل إن كلا منهما نظر للآخر "في صمت، يكسوه ضوء القمر" وقال أخيل لبريام: "لا تتأخر" لأن الشمس ستشرق والحرب ستبدأ من جديد. إن ترميم النظام لا يكون إلا في إطار المواجهة، وفي إطار الاعتراف المتبادل. إن الذي يعيش تحت الاحتلال يعرف جيدا معنى غريزة الرفض وقول "لا". يجوز لنا أن ننتقد حالات الغضب الجوفاء. إلا أن الغضب والاحتجاج والغيظ والتمرد والرفض وقول "لا"، تعتبر وجها من وجوه رفض واقع الأمر، وتعكس رغبة إعادة تشكيله ليكون أفضل مما هو عليه الآن. لا أسعى للترويج لثقافة الرفض من أجل الرفض، بل أريد التأكيد على أهمية الإيمان بالممكن سياسيا ووجوديا.

يقول الفيلسوف الوجودي الفرنسي جون بول سارتر أن "ماهية الإنسان هي الحرية". وتكمن جاذبية الحرية في المفارقة التي تحملها. فنحن أحرار ومفروض علينا أن نكون كذلك. وهذه المفارقة التي تتضمنها الحرية حسب ما أورده سارتر في كتابه "الوجود والعدم"، تظهر جلية في الوضع الذي يعيشه الصحراويون هذه الأيام".




النعمة أسفاري

مناضل صحراوي من أجل تقرير المصير

مدافع عن حقوق الإنسان

نائب رئيس لجنة احترام حقوق الإنسان والحريات في الصحراء الغربية

معتقل سياسي في مدينة القنيطرة المغربية.

تم اعتقاله في 7 نونبر 2010 في مدينة العيون في الصحراء الغربية المحتلة من طرف المغرب منذ سنة 1975، غداة تفكيك مخيم أكديم إيزيك بالقوة بتاريخ 8 نونبر 2010.