إنتفاضة الإستقلال.. بين جهود وتضحيات الميدانيين والمصالح الضيقة للإنتهازيين




تعتبر انتفاضة الاستقلال، من بين أهم المواضيع لدى عامة الشعب الصحراوي، نظرا للدور الذي لعبته منذ اندلاعها 21ماي 2005، بمدينة العيون المحتلة ثم امتدادها بشكل سريع ولافت على مدن الصحراء الغربية المحتلة وجنوب المغرب والمواقع الجامعية، مجسدة بذلك مبادئ الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و واد الذهب ما أعطاها قوة و استمرارية في مقاومة القمع الوحشي الذي تعرضت له، كيف لا وهي التي جعلت الصحراء الغربية محط اهتمام من طرف مختلف وسائل الإعلام الدولية العربية والأجنبية والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، وما زادها اهتماما أكثر هو موقعها كأحد خطوط التماس مع العدو إلى جانب الدبلوماسية وقبلهم النواحي العسكرية، إلى جانب ذلك نرى تفاعلها الدائم مع كل التطورات التي تشهدها القضية الوطنية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. 

وللحديث عن جوانب هذه التجربة الوطنية والخيار الحالي للمقارعة العدو، لابد لنا من العودة إلى الوراء للوقوف على بعض النقط السلبية والإيجابية في الانتفاضة التي اندلعت شرارتها الأولى في العام 2005، حيث خرجت جموع المتظاهرين للتعبير عن رفضهم استمرار الاحتلال المغربي لأراضيهم، ومطالبتهم المنتظم الدولي بضرورة إجراء استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي حتى يتسنى له تحديد مستقبله بطريقة ديمقراطية نزيهة طبقا للخيارات المطروحة من قبل طرفي النزاع جبهة البوليساريو والمملكة المغربية، هذا الفعل الوطني السلمي جوبه برد عنيف من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للاحتلال المغربي وحملات الاعتقالات التعسفية والزج بعدد من المناضلين خلف قضبان السجن الأكحل بمدينة العيون المحتلة ظنا منه أنها وسيلة كافية للحد من هذا الفعل الوطني الذي أثبت مع مرور الزمن أنه يحظى بإجماع من قبل المواطنين الصحراويين في الأراضي المحتلة وخير دليل على ذلك الانتشار الواسع له في مختلف أماكن تواجد الجسم الصحراوي والاستمرارية الممزوجة بالإبداع وفق ما تتطلب تلك المرحلة أو حسب واقع كل مدينة عن أخرى، إلى أن أصبح عادة يومية لدى أبطال ورواد انتفاضة الاستقلال رغم تسجيل لحالة الركود في بعض المدن والسبب لم يكن أساسا له علاقة بفقدان الأمل أو الانهزامية بقدر ما كان السبب الحقيقي هو الحصار العسكري والإعلامي الخانق الذي تشهده مدن الصحراء الغربية، ثم تراجع بعض النشطاء عن الميدان وتعرض البعض منهم  للاستهداف والمراقبة نظرا لصموده و مقاومته الميدانية، إلا أن هذه الفئة الأخيرة لعبت دورا غاية في الأهمية  للحفاظ على استمرارية، الإنتفاضة واضعة  في الحسبان أهميتها على الأجيال القادمة والسهر على توعية كل الشباب من اجل الإنخراط في هذه الإستراتجية بإعتبارها واجب وطني قبل أن تكون شيء أخر، وأسلوب لمواجهة خطط العدو ضد الانتفاضة وروادها ،هذا و قد عرفت السنوات الأربعة سنوات التي تلت إنتفاضة الإستقلال ظهور العديد من الخلايا التي إختارت العمل بعيدا عن الأنظار والأضواء في تزويع مناشير التوعية وتعليق الأعلام الوطنية بمختلف الأحياء في كل المدن و كان هدفها في ذلك تأجيج الإنتفاضة وجعلها سلوك يومي للمواجهة، ثم الإحتفاء بالمعتقلين السياسيين الصحراويين المفرج عنهم وتخليد الذكريات الوطنية كل هذا طبعا لإعادة تذكير المنتظم الدولي أن الأغلبية الساحقة من الصحراويين يدعمون أهداف ومبادئ جبهة البوليساريو الرامية إلى الإستقلال، ورفضهم  التام للتواجد غير الشرعي للإحتلال المغربي على أراضيهم. هذه المرحلة كانت شبيهة بفترة ترتيب الأوراق للخروج عن المألوف، والإستعداد لتطوير أسلوب المقاومة بإعطاء إنطلاق لمرحلة جديدة تساير مستجدات الراهنة، تلك الرغبة في الإبداع وإحداث نقلة نوعية في مجابهة الإحتلال، إستطاع النشطاء الميدانيون إحداثها على الأرض في أكتوبر من العام 2010، في حدث له وقع قوي على قلوب كل الصحراويين، حيث جسدوا فيه مبدأ الإجماع الوطني، ضم مختلف شرائح المجتمع الصحراوي نشطاء حقوقيين، نقابيين، معتقلين ومختطفين سياسيين سابقين، إعلاميين، والأهم من ذلك تعزيزها بمجموعات من كل المدن الصحراوية لتأخذ بذلك رمزية كبيرة، وتشكل منعطفا هاما في تاريخ كفاحنا الوطني، لكن الأهم هناك هو الإبداع في التعبير والإحتجاج الذي إتخذته ملحمة أكديم إزيك من حيث الشكل و الذي هو عبارة عن مخيمات صغيرة تيمنا بمخيمات العزة والكرامة و خوض تجربة اللاجئين الصحراويين، وبالإعتماد على الخيم كرمز من رموز الثقافة الصحراوية، والمكان اختيار منطقة أكديم إزيك النائية كنوع من الارتباط بالأرض إذ يعكس الارتباط الوطيد بين الإنسان الصحراوي والبادية، وكذلك من الجانب الإستراتيجي لتجنب وتفادي تشويه سمعة هذا الشكل والفعل النضالي الوطني أو اتهام المحتجين من قاطني المخيم بتهم إعاقة حركة المرور والتخريب الممتلكات العامة أو غيرها من التهم الجنائية التي دأبت أجهزة المخابرات المغربية تلفقيها للمناضلين الصحراويين كذريعة للزج بهم في سجونها المظلمة.



هذا الأسلوب الذكي والراقي الذي أتخذه مخيم أكديم إزيك، جعله محط اهتمام دولي واسع، ولعل أبرزه ما قيل في شهادة الفيلسوف "نعوم تشومسكي" الذي وصفه بشرارة  ما يسمى لدى الغرب ’’بثورات الربيع العربي‘‘، كما أعطى كذلك رسالة مهمة على المستوى الداخلي مفادها، قدرة القادة المناضلين الميدانيين من النشطاء الحقوقيين المتواجدين في الساحة على تأطير الجماهير ومشاركتها الأفكار والعمل داخل الميدان بهدف مواجهة العدو والإنتصار لإرادة الشعب بعيدا عن الركوب على الحدث لغاية المصلحة الشخصية أو لاهداف ضيقة تخدم الأشخاص بدلا من المشروع الوطني الذي ضحى ولا يزال لأجله الشعب الصحراوي منذ عقود، و قد أستطاع النشطاء الحقوقيين الميدانيين التعاطي مع المرحلة وأبانوا عن قدراتهم على الإبداع ومواجهة كل مخططات العدو الرامية إلى زعزعت قناعات النازحين وخلق انشقاقات داخل القواعد الشعبية والنشطاء الحقوقيين،كما أن مجهودات النشطاء و التحامهم بالجماهير أفشلت كل الخطط المخزنية التي أشرف عليها كبار القيادات العسكرية والمخابراتية التي توافدت على العيون المحتلة لأجل تلك الأهداف الخبيثة، إلى أن إنتهى بهم المطاف بالسقوط في الفخ، منذ إعطاء الضوء الأخضر لبدء حملات الإختطاف مساء 7نوفمبر، ثم التدخل عسكريا لتفكيك مخيم أكديم إزيك فجر يوم 8نوفمبر، الذي تسبب بإصابات في صفوف المحتجين وإختطاف أزيد من 150صحراويا، وكأنهم أعلنوا وإعترفوا دون وعي بهزيمة دولة الإحتلال، وفشل الأساليب الخبيثة التي جاءت بها من الرباط بأمر من ملك المغرب لمواجهة المقاومة المدنية وكسر شوكتها.

قضت ملحمة أكديم أزيك التاريخية، لكن في المقابل أستمر صداها  إلى ما بعد التفكيك الهجمي، فهي بالفعل كانت مرحلة مفصلية في مسار كفاحنا الوطني فقد خلقت لدى الأغلبية الساحقة من الصحراويين الوعي واليقين بأن في الوحدة و رص الصفوف قوة لا تضاهيها قوة جيوش الأنظمة الرجعية، وهذا فعلا ما تابعناه خلال حراك عائلات المعتقلين الذي حظي بتفاعل كبير من قبل الجماهير الصحراوية وأبطال الإنتفاضة وبعض النشطاء الحقوقيين ممن إختاروا خيار الميدان والمساهمة في المظاهرات التي تقوم بها أسر السجناء بإعتبارها الإمتداد الوحيد للإنتفاضة في تلك الفترة واستمر هذا النهج على  مدار سنتين وسط  تذبذب في الانتفاضة لنفس الأسباب السالفة الذكر وغياب لروح التضحية من قبل البعض، إلى حدود ماي 2013، وبالضبط بالتزامن مع جلسات مجلس الأمن بشأن مناقشة القضية الصحراوية والتجديد ولاية بعثة المينورسو، حيث كانت الجماهير الصحراوية مع موعد أخر للتحدي والخروج في مظاهرات ومسيرات جابت مختلف شوارع وأحياء مدينة العيون المحتلة، للمطالبة بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان والتقرير عنها، مسيرات أعادت إلى الذاكرة ملحمة أكديم إزيك ووحدت الصف والكلمة لكسر الحصار وإنتزاع الخوف من قلوب الصحراويين للخروج والتعبير عن رفضهم إستمرار تواجد الإحتلال المغربي في الأجزاء المحتلة من أراضي الجمهورية الصحراوية، ورسالة إلى الإنتهازيين في ثوب المناضلين مفادها أن إنتفاضة الإستقلال المجيدة لا تحتاج لقادة منظرين في الندوات والإجتماعات، بل لمن يجسد معهم الأفكار في الميدان وخوض المعارك بشكل فعلي، بدلا من إستغلال تضحياتهم ومعاناتهم، لأجل مصالح ضيقة بين الطموح في قرصنة صورة البطل أو لقب قائد ميداني لا أساس له في الوجود، أو بهدف إبراز نفسه لمن هم خارج الأراضي المحتلة أنه مناضل ميداني لا يشق له غبار يستحق التبجيل وإعطاءه الوضع المتقدم عن باقي المناضلين، وذلك طبعا من خلال إستعانتهم ببعض ’’القلبيين ثوار مواقع التواصل الإجتماعي‘‘أو عبر الجهات التي تمتهن الإعلام وتتقاسم معهم نفس الأهداف  والطموح’’للزعامة المزورة على حساب جهود المناضلين الميدانيين الحقيقيين‘‘كما شاهدناه مؤخرا في خرجات بعض النشطاء الحقوقيين في مدينة العيون، وإستغلالهم لأحداث لا علاقة لها بإنتفاضة الإستقلال للظهور في صورة القادة الميدانيين في مقابل غيابهم غير المبرر والمجهول عن تلبية النداءات المتكررة للمظاهرات بالتزامن مع زيارات البعثات الأممية والدولية أو تلك المطالبة بحق في تقرير المصير، إطلاق السجناء، تدمير جدار العار ووقف نهب الثروات الطبيعية.

إن منهجية التنسيق بين الجمعيات الحقوقية والفرق الإعلامية فيما يتعلق بالعمل الميداني هو الوسيلة الأنجع للحفاظ على سيرورة الإنتفاضة والرفع من مستوى التحدي ومواجهة العدو، ولعل مبادرة إنشاء تنسيقية الفعاليات الحقوقية الصحراوية، بهدف التنسيق في الترتيب للمظاهرات والمسيرات، كانت فكرة جد ممتازة وحسنة وغاية في الأهمية، عكست للرأي العام الوطني رغبة أصحابها في التشبث بخيار الشارع والميدان، لكن وللأسف لم تسلم من الخيانة وحملات التجييش والإستهداف المباشر لجهودها ومحاولات إفشال أنشطتها من قبل بعض الجمعيات والنشطاء الحقوقيين الذين رفضوا الإنضمام إليها، في الوقت الذي يدعون فيه أنهم قيادات للإنتفاضة، إلا أنهم في الحقيقة أثبتوا للجميع أنهم مجرد إنتهازيين وأصحاب خبرة في الركوب على جهود الأخرين، يفتقدون للحس الوطني وروح التضحية، وعدم القدرة على النزول إلى الشارع وقيادة أي فعل وطني جماهيري. ليبقى السؤال العالق إلى متى ستظل الإنتفاضة على هذا الحال؟، وهل بإستطاعة الأقطاب المتنازعة على شرف زعامة المقاومة المدنية في الأراضي المحتلة أن تبلور شعاراتها إلى حقيقة؟، والتصالح بذلك مع ذواتهم ثم المبادرة في مشاركة الجماهير الأشكال النضالية اليومية، أو بأن يمتلكوا الجرأة في الإفصاح بعدم القدرة على ذلك، بدلا من الإستعانة بالخرجات المثيرة للشفقة لإستعادة بريق ضائع وإعطاء صورة سيئة عن نضالنا الوطني لدى المجتمع الصحراوي، أما العدو أظن أنه يعرف تمام المعرفة أهداف المتمصلحين التي تتماشى نوعا ما مع أهدافه السيئة.