غموض وتناقض موقف الاتحاد الأوروبي من قضية الصحراء الغربية.


    
شعار الإتحاد الأوروبي وعلم الجمهورية الصحراوية  

يتمتع المغرب بموقع جغرافي وإستراتيجي إستثنائي نوعا ما، وذلك بفضل ساحله الأطلسي والمتوسطي وقربه من القارة الأوروبية ما يعزز من مكانته لديها، وفرصة التطور والتفوق في مختلف المجالات إذا أحسن التدبير وإدارة نفسه بطريقة عصرية حكيمة، لكن في مقابل ذلك توجد عوامل أخرى سلبية التي تؤثر بشكل كبير على كل ذلك وتجعل النظام في المغربي مجرد رهينة بين أيدي الغرب، وتضع دبلوماسيته في موقف محرج، ولعل أبرز العوامل هو إحتلاله غير الشرعي للصحراء الغربية التي أصبحت في الظرف الحالي بوابة لبلدان الشمال نحو عمق القارة الإفريقية، عبر معبر الكركرات الذي أصبح منذ سنتين تقريبا له تأثير كبير على الوضع الجيوسياسي ومستقبل العلاقات الإقتصادية التي تربط المغرب بإعتباره قوة الإحتلال للصحراء الغربية والإتحاد الأوروبي منذ 1996تاريخ توقيع إتفاقية الشراكة التي دخلت حيز التنفيذ عام 2000 وتطورت فيما بعد في عام 2008

وخلال الإجتماع الرابع عشر لمجلس الشراكة بالإتحاد الأوروبي مع المغرب في 27 يونيو 2019، حول مناقشة مقاربة أوروبية جديدة بشأن قضية الصحراء الغربية، تم من خلال الإنتقال إلى الخطة الثانية المبنية على قاعدة تغليب المصالح الإقتصادية على الشرعية الدولية والقانون الأوروبي نفسه، ما يعني الإلتفاف على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، الأمر الذي حظي بموافقة من قبل كل الهيئات التابعة للإتحاد الأوربي، ما عدا محكمة العدل التي كان لها موقف ثابت لا جدال فيه يتماشى مع القانون الدولي بشأن المناطق غير المتمتعة للإستقلال الذاتي كما الحال بالنسبة للصحراء الغربية. 

وكانت محكمة العدل التابعة للإتحاد الأوروبي قد أصدرت أحكاما بشأن إتفاقية الزراعة في 21 ديسمبر 2016، وإتفاق المصائد في 27 فبراير 2018، التي تربط الإتحاد الأوروبي والمغرب، عقب دعوى تقدمت بها جبهة البوليساريو، حيث أقرت فيهم المحكمة أن الصحراء الغربية إقليم متمايز عن المغرب وغير خاضع لسيادته، وبالتالي فإن إدراجه ضمن الإتفاقية المبرمة بين الإتحاد الأوروبي والمغرب أو غيره من البلدان يجعلها غير شرعية وباطلة بموجب القانون الدولي، إلا في حالة واحدة إذا ما تم الحصول على موافقة من الشعب الصحراوي عبر ممثله الشرعي والوحيد جبهة البوليساريو وفقا للأمم المتحدة. 

إلا أنه ورغم هذين الحكمين الواضحين بشأن الإقليم، فقد إقترح مجلس وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي في 16 يوليو 2018، بروتوكلات جديدة بشأن المنتجات الزراعية والشراكة بين الإتحاد والمغرب، يصل نطاقها إلى أراضي الصحراء الغربية ومواردها الطبيعية، تمت المصادقة عليها في 16 يناير 2019، دون مراعاة للقانون الدولي والأوروبي، تولد عنه موقف جديد للإتحاد الأوروبي يعد الأكثر سلبية بشأن قضية تصفية الإستعمار في الصحراء الغربية، يدعم عدوانية نظام الإحتلال المغربي ضد الشعب الصحراوي وحقوقه العادلة. 


موقف الاتحاد الأوروبي مبني على إستراتيجية اقتصادية بحتة

لقد ظلت القوة في عصر الإمبريالية عاملا مهما وضروريا للدفاع عن السلام، إلا أنه وفي عصر ما بعد الحداثة، يعد إستخدام القوة دليلا على الفشل والإفلاس السياسي، في مقابل ذلك بات خيار الدبلوماسية وخلق تحالفات للإبتزاز والمقايضة وسيلة ناجحة لتحقيق الأهداف كيف ما كان نوعها، هذا ما تابعناه في السياسية الخارجية لمجموعة من البلدان والقوى التي تدعي الحفاظ على السلام وضمان الازدهار للشعوب العالم. كما هو الحال في السياسية الخارحية للإحتلال المغربي، حيث رأينا أن كل الأزمات التي حدثت بينه والإتحاد الأوروبي حول قضية الصحراء الغربية يخرج منها بنتيجة تخدم موقفه، وذلك راجع طبعا للطريقة التي يدير بها أوراق الضغط مثل الهجرة غير الشرعية، الأمن والإرهاب وتجارة المخدرات، بالتنسيق المحكم لخيوط اللعبة مع داعيمه فرنسا وإسبانيا البلدين الحريصين على ضمان الموقع المتقدم للمغرب داخل أوروبا وتقديمه لبلدان القارة في بذلة حارس الأمن الأوروبي شرط إتخاذ موقف يتماشى مع أطماعه الإستعمارية في الصحراء الغربية. 


الاختلاف بين جبهة البوليساريو والمغرب يدفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض أجندته

من المهم أن نوضح أن المغرب ليس هو الدولة القائمة بالإدارة، بل الدولة قوة إحتلال، وضعها في القانون الدولي مماثل لوضع إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أن الأمم المتحدة لم تعترف أبدا للمغرب يوما بالسيادة على الإقليم أو منحه صفة القوة القائمة بالإدارة، كما سبق وأن نددت في قراراتها بإحتلاله غير الشرعي للإقليم، وفي مقابل ذلك إعترفت لجبهة البوليساريو بأحقية وشرعية تمثيل الشعب الصحراوي.

هذه المعطيات للأسف لم تكن كافية لدفع عملية السلام نحو الحل الذي سبق الإتفاق عليه في عام 1991، المتمثل في إجراء إستفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي العالق منذ 1993، (حيث كان من المفترض أن يختار الصحرايون مستقبلهم بشكل ديمقراطي ونزيه)، وعلى الرغم من المساعي الحميدة للأمم المتحدة وسلسلة المفاوضات التي دارت بين طرفي النزاع جبهة البوليساريو والمغرب، إلا أن الجانبين بعيدين كل البعد عن طريق المصالحة والتوافق على إنهاء النزاع الدائر بينهما.

هذا الإختلاف بين الجانبين، هو ناتج لوجود توجهين مختلفين، الأول من الجانب المغربي المبني على فكر كلاوزفتز، ''أي الحرب هي إستمرار السياسة بوسائل أخرى''، مقابل التوجه الثاني لجبهة البوليساريو المبني على نظرية الفيلسوف الصيني صون تزو ذي الديانة الطاوية، '' أفضل الحروب، هي الحرب التي لم يقع فيها القتال'' عامل أعطى فرصة للإتحاد الأوروبي إختيار نهجه الجديد.


موقف الاتحاد الأوروبي بشأن الحل يميل أكثر إلى النهج السياسي للنظام التوسعي.

كان سبب نهاية الحرب الباردة والتطور اللاحق بعدها هو نتيجة لهزيمة النظام الداخلي السوفياتي الذي كرس إنتصار النظام الرأسمالي الأمريكي. ومن هذا المنطلق، يريد الاتحاد الأوروبي تعزيز شؤونه الداخلية وبناء دبلوماسية قوية تخدم مصالحه وتدفع نحو ممارسة نفوذ قوي في مختلف بقاع العالم وعلى كافة المستويات. وقد سبق للمؤرخ الأمريكي جورج كينان أن لخص السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بالقول أن ''أن واشنطن تتبنى مبدأ المصلحة الإقتصادية بالدرجة الأولى في النظر لمختلف القضايا، وبوصلة تحدد إتجاه علاقات الشراكة مع البلدان الأخرى'' وعلى النهج أسست أوروبا لسياستها الخارجية وتعاطيها مع القضايا الواقعة في مناطق إهتمامها كما هو الحال مع قضية الصحراء الغربية. 

وعلى سبيل المثال حول هذا التوجه الجديد للإتحاد الأوروبي، فإن رأي جان مونيه، أحد مؤسسين المؤسسة الأوروبية التي تتبنى اليوم منطق معالجة المشاكل والقضايا العالقة بتوسيع نطاقها ومجالها، ضمن عملية تكتيكية تساهم في ما بعد في فرض حلول أخرى بديلة ومؤقتة، والتي غالبا ما تكون ضد المبادئ الأسياسية للقانون الدولي، كما نراه اليوم في المقترحات المقدمة في قضية الصحراء الغربية والتي تقف دائما ضد إدراة وحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وبسط سيادة دولة الجمهورية الصحراوية على كامل أراضيها ومواردها الطبيعية. 

لقد أيقن الجميع أن موقف الأتحاد الأوروبي تجاه قضية الصحراء الغربية والجمهورية الصحراوية، لاينبني على إرادة حقيقة في إدارة النزاع، فمثلا من الجانب العسكري المتعلق أساسا بضمان الأمن والإستقرار في المنطقة المغاربية، نجد أن الإعتماد على خطة 5+5 التي أقصيت منها الجمهورية الصحراوية وجبهة البوليساريو، يعكس عداء بعض البلدان الأعضاء في الإتحاد وأغلبهم من جنوب القارة للشعب الصحراوي، الشيء الذي جعلهم في موقف يتناقض مع باقي أعضاء الإتحاد خاصة دول الشمال التي تدعم الشرعية الدولية وحق تقرير المصير في الصحراء الغربية، هذا الإختلاف الحاصل في سياسة بلدان القارة التي تجمعها نفس المؤسسة، ظهر بشكل كبير في السنوات الأخير، وذلك راجع لإختلاف عقيدة كل بلد عن أخر، فعلى سبيل المثال، أولت ألمانيا أهمية أكبر لإحترام  قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي من خلال الإعتماد على القوة الناعمة في جميع أشكال التأثير أو الإقناع أو التفاوض، في مقابل لا تزال فرنسا تحتفظ بنفس السياسة التقليدية التي إعتمدتها إبان حقبة إستعمارها لبعض بلدان القارة الإفريقية، بالتركيز والإعتماد على القوة العسكرية.

ومع ذلك، من المهم أن نذكر أن العلاقة بين التعاون الاقتصادي وحل النزاعات يمكن أن تؤدي إلى إتفاق سلام نهائي بين المغرب وجبهة البوليساريو، إذا ساهم الاتحاد الأوروبي  في ذلك من خلال الضغط على المغرب وجمهورية الصحراوية بعد إنضمامهما إلى المنطقة الحرة للتجارة القارية لأفريقيا (AFCFTA) مؤخرا.

وفي الختام، هل يصل الاتحاد الأوروبي إلى نفس النتيجة التي وصل إليها جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عندما قال - في تصريح لإحدى المجلات الأمريكية في 13 ديسمبر 2018 ، (بغض النظر عن تقديم الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفريقيا) - "يجب أن نفكر في أهل الصحراء الغربية، وفي الصحراويين، الذين ما زال الكثير منهم في مخيمات اللاجئين بالقرب من تندوف، في الصحراء الكبرى، ونسمح لهؤلاء الأشخاص وأطفالهم بالعودة إلى بلدهم وعيش حياة كريمة ".