مقال للرأي : في رحاب الوحدة الوطنية (الدبلوماسي، مصطفى الكتاب)

 الشهيد الحافظ، 17 أكتوبر 2020 (ECSAHARAUI)



في رحاب الوحدة الوطنية: أسباب ـ أهداف ـ ونتائج 
كتب الزميل عليّ الكنتاوي مقالا رائعا وعميقا حول الوحدة الوطنية، صاغ خلال تدرجه أمثلة تاريخية حول مجتمعات شبيهة لنا أو مثل حالتنا خاصة من حيث التشرذم القبلي، والتخلف وظلم الجيران وتسلط القوى الأجنبية، وما يسببه كل ذلك من وهن وإهانة وإذلال حتى ونحن في أرضنا.
ومحاولة مني للتوسع في الفكرة التي صاغها الأخ عليّ، لما لها من أهمية، سواء من حيث ما تناوله الكاتب في مقاله بصفته قامة نضالية سامقة بعلو كعب ثقافي مستنير، أو من حيث مصداقية وراهنية ما طرح من أفكار.
ارتأيت أن أغوص أكثر في الموضوع باستحضار أمور ربما تبدو بديهية، لكن التعمق فيها قد يسلط المزيد من الضوء على الفكرة الجوهرية أو الفكرة الأساس التي هي الوحدة الوطنية وأهميتها.
وسأبدأ بطرح ثلاث اسئلة حول:
1 أسباب أو دواعي الوحدة.
2 الهدف من الوحدة.
3 النتائج المتوخاة من الوحدة وما تم الحصول عليه.
أولا أسباب ودواعي الوحدة: من نافلة القول بأن الوحدة رمز قوة وسبب من أسباب المناعة وحصن للرفعة والازدهار، ولا أدل على ذلك من نهْي القرآن الكريم وأمره بالابتعاد عن نقيضها أي الفرقة، حيث يقول المولى جل من قائل (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) "آل عمران 103" (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) "الأنفال 46" إضافة إلى ما يزخر به التاريخ من أمثلة أورد المقال بعضا منها وهي كافية لتأكيد حقيقة أهمية الوحدة وضرورتها كحاضن للقوة وللوصول إلى المبتغى.
وإذا كان العرب بلغوا ما بلغوا من علو شأن وانتشار بعد أن توحدوا بفضل رسالة الإسلام، فقد كان الإسلام أيضاً ورسالته السامية وضرورة الدفاع عنه، هو سبب ظهور وقيام دولة المرابطين. أما وحدة المغول فلم يكن الدين السبب الرئيسي لقيامها، وقد أشار الكاتب إلى أهم أسباب ودوافع قيامها بوضوح.
وهنا نتوقف قليلا للتأمل وللتذكر حول أسباب ودوافع قيام وحدتنا لأن الذكرى تنفع المؤمنين. لأن مسوغ ودافع وحدتنا نحن الصحراويين هو سبب وجودي كفاحي، ولا يمكن فصل الصفتين ـ الوجود والكفاح ـ عن بعضهما، لأنه كلما قويّت شوكتنا واشتد عودنا وظهرت شراستنا كتعبير عن وجودنا إلاّ وتكالب المتآمرون علينا، وتاريخنا القريب خير شاهد على ذلك. ونورد هنا أمثلة لا الحصر:
ـ أ ـ حين انبرى مجاهدونا متصدّين للهيمنة الاستعمارية الفرنسية الإسبانية وقاوموا لخمسين سنة من 1884 حتى 1934 تآمروا علينا وتضافرت جهودهم حتى فرضوا علينا سلم المقابر فيما عرف "بملڭى لحكامة"، وقسمونا واقتسموا أرضنا.
ـ ب ـ حين هبت رياح الثورات في الخمسينات واستجاب أبناء شعبنا لنداء التحرير، تآمروا علينا فيما عرف بحملة "إيكوفيون"، فشردوا الكثيرين من شعبنا، وحاربونا في أرزاقنا.
ـ ج ـ حين أعلنا الكفاح المسلح بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وانتصرنا على الاستعمار في الداخل والخارج، وحررنا جزءا من أرضنا وأقمنا على البعض منها إدارتنا الوطنية واعترف لنا العالم بحق تقرير المصير وساندتنا محكمة العدل الدولية، تآمروا علينا وأول ما استهدفوا هو وجودنا ـ كفاحنا، باتفاق مدريد المشؤوم لتقسيم أرضنا ومحونا من الوجود. 
وقد يتساءل سائل، ولماذا يتآمرون علينا؟ والإجابة تكمن في:
1 خصوصيتنا كشعب، حيث نحن من جهة ورثة أولئك الذين وحّدهم الإسلام وانتقلوا من بداوتهم وجلافتهم وحملوا رايته إلى مشارق الأرض ومغاربها، ومن جهة أخرى نحن كذلك ورثة شرعيون من أحفاد وأسباط بناة امبراطورية المرابطين، التي يعود لها الفضل في إنشاء وتخطيط وبناء مدينة مراكش، التي عرفت بها سلطنة المغرب الأقصى (Marruecos) قبل الاستعمار الأوروبي ولا تزال علما لمواطني تلك السلطنة التي تحولت إلى مملكة إلى اليوم (Marroquíes). كما أننا نشترك مع المغول كغيرهم من شعوب المعمورة في المعاناة من اضطهاد الجيران المتغطرسين، وتآمر الأجنبي ضدنا. 
2 حيزنا الجغرافي وأهميته الاستراتيجية قديما وحديثا.
3 خيرات أرضنا وثرواتها الطبيعية.
4 قلتنا العددية وسهولة اختراقنا. 
الخلاصة هي أنه بالرغم من أن وحدتنا لم تقم يوما على أساس نشر فكر معين على غير أرضنا، أو إيصال رسالة دينية أو إيديولوجية، او غزو أرض وضمها إلى أرضنا، وإنما هي دائما لحماية وجودنا، وحماية نمط عيشنا وسيادتنا على أرضنا وحريتنا فيها، ورفض هيمنة الآخر علينا، وعلى أرضنا وثرواتنا، ومع ذلك لم يهملونا ولم يتركونا بسلام، وسيظل الأمر كذلك، لأن مميزاتنا لن تتقادم، وموقعنا لن يتغير، وخيرات أرضنا لن تنتهي، ولن نصبح الصين أو الهند عدديا، ولا سبيل لردع التآمر إلا الوحدة. 
2 الهدف من الوحدة
 مما أسلفنا يتضح أن الهدف من الوحدة هو القوة، هو كسب الاحترام في عالم لا يقيم وزنا إلا للقوي، والهدف كذلك هو حماية الوجود، والذود عن المكتسبات، سواء ما نص عليه القرآن الكريم بهدف إعلاء كلمة الله في الأرض ونشر الدين الحق، أو ما هيأ لقيام دولة المرابطين، لتصحيح المعتقدات وتنظيف الإسلام مما لحق به من أدران وأوساخ المحرفين خاصة في المغرب الأقصى، أو ما أدى إلى ظهور المغول كرفع الذل والتحول من تابعين منبوذين إلى حكام مسيطرين. 
أما في حالتنا فإنه بالإضافة إلى ما ذكر، فقد ظل الهدف في كل المراحل وسيبقى هو حماية وجودنا، والحفاظ على ما نحققه بتضحياتنا ودمائنا وعرقنا في أرضنا، وبكلمة أخرى حصننا الحصين الذي يعز اقتحامه على أي متطاول علينا، وحاضنة أمجادنا وصمام أمننا في الحاضر والمستقبل. 
ثالثا، نتائج الوحدة:
ـ بالنسبة للعرب: شيدوا امبراطورية حكمت العالم المعروف حينها من شرقه إلى غربه، حتى أصبح هارون الرشيد الخليفة العباسي ينظر إلى السحب في السماء ويقول لها: أمطري حيث شئت فخراجك سيأتيني، وصدق الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: "نحن أمة أعزها الله بالإسلام".
ـ بالنسبة للمرابطين: انتصروا للإسلام فأعزهم ووحّد المنطقة برمتها حولهم، فأقاموا امبراطورية مترامية الأطراف حكمت شمال إفريقيا وأجّلت سقوط الأندلس لقرنين من الزمن.
ـ المغول: التفوا حول قيادتهم واجتاحوا العالم وبنوا امبراطورية عظيمة، وتحولوا من قوم منبوذين يعيشون على هامش الحياة إلى حكام تقوم الدنيا وتقعد بأمرهم.
أما بالنسبة لنا نحن: يكفي أن نتذكر أين كنا قبل قيام الوحدة الوطنية ونقارن بينه وبين ما حققنا في ظلها. وربما أفضل تلخيص لذلك هو ما جادت به قريحة شاعرنا الكبير، شاعر الثورة البشير ولد اعلي حين قال:
                           
الوحدة معناها لوجود  والعدم معناه العدم
لذلك لا داعي للإطالة فقط يكفي أن نستحضر أنه ولأول مرة في تاريخنا تكون لنا:
ـ دولة قائمة بكل مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، عضو مؤسس في الاتحاد الإفريقي، تنتشر بعثاتها الدبلوماسية عبر القارات الخمس.
ـ جيش صحراوي بكل تشكلاته وعتاده وتخصصاته مرابط فوق تراب الوطن، وتاريخ بطولاته وانتصاراته لا تتسع اللغة لتعدادها.
هذه من ثمار وحدتنا التي أسسها رجال خضبوا أرض الوطن بدمائهم الزكية وعلى رأسهم مفجر الثورة الشهيد الولي مصطفى السيد، الموجه والمنظم والداعي إلى الوحدة الوطنية، ومهندسها مع جيلين كاملين من خيرة آباء وأبناء شعبنا المؤمنين بالحق الغيورين على شعبهم من أمثال أولئك الذين دلنا القرآن الكريم عليهم في سورة الأحزاب في الآية 23: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) صدق الله العظيم. 
وأفضل خاتمة لكل ما تم تناوله سواء بالنسبة للنخب الصحراوية أو سواء بالنسبة لعموم شعبنا المكافح أينما تواجد، هي التي أوصى بها المرحوم أديبنا وشاعرنا الكبير الراحل: بادي محمد سالم حين قال:
يا الشعب الراصك مرفوع    لا ادير الوحدة فانزاع
لا اتـــــرظي بيها مفگوع    ولا اتصيفط بيها طماع