الإحتلال المغربي بين خيار "القطعية" مع سياسة الكرسي الشاغر أو التوجه نحو المجهول.

رئيس الجمهورية الصحراوية إبراهيم غالي / عاهل المغرب محمد السادس


أعلن المغرب عن إنسحابه من منظمة الوحدة الأفريقية خلال قمة يوليوز 1984 باديس أبابا بعد أن فشل فى عرقلة إنضمام الجمهورية الصحراوية إلى المنظمة القارية، ورفضه تطبيق الحل الوسط الذي صادقت عليه القمة السابقة بالإجماع (يوليوز 1983) بخصوص النزاع الصحراوي المغربي، وإدارة الظهر للقارة الأفريقية والبحث عن فرصة الإنضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة (CEE)، الشيء الذي أسقط النقاب عن العزلة الكبيرة التي يوجد فيها مغرب الحسن الثاني نتيجة لإحتلاله غير الشرعي لأجزاء من التراب الصحراوي وتجاوزه لحدوده المعترف بها دوليا.

لقد كان ملك المغرب الحسن الثاني الذي بادر بالحرب و قادها عسكريا وديبلوماسيا، قادرا على صياغة المبادرات وقبول التفاهمات ثم إعتماد مراجعات جوهرية وإستراتيجية تساعده في الخروج من الازمات بالحفاظ على عرشه و للحد من الكوارث التي ألحقتها مغامرة الصحراء الغربية بالمغرب، التي ظل يتخبط فيها ويتنكر لإلتزامه تجاه مخطط التسوية القاضي بتنظيم إستفتاء تقرير المصير، بل وحاول أن يضمن النتائج لصالحه من خلال خطة إشراك مستوطنين مغاربة في عملية التصويت، كما أنه لم يعلن أبدا أن الإستفتاء تم تجاوزه و لم يقل يوما ما أن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد بل فضل الذهاب إلى الإستفتاء بإعتباره الطريق الشرعي الذي يؤمن له الوصول بسلام الى شاطىء النجاة في وئام وتصالح مع جيرانه.

لقد كان ملك المغربي الحسن الثاني مقتنعا بشكل كبير أن العودة إلى الكرسي الافريقي تمر إجباريا عن طريق وضع حد لورطة الحرب، وشرط إنهاء مغامرة الإحتلال والدخول من باب الشرعية الدولية الضمان الحصري والوحيد للسلام العادل و النهائي، بدلا من السير في طريق العثرات والمصاعب التي يعرفها نظام تجاوزته الأزمنة، يعيش أزمة هيكلية مزمنة تهدده بالسكتة القلبية على حد تعبير الحسن الثاني نفسه.


''محاولات محمد السادس وفريقه فرض منطق جديد في النزاع''

منذ توليه العرش فى المغرب، سعى محمد السادس إلى التخلص الرصيد الكبير من تراكمات تجربة  بناها والده من خلال تسييره الشخصي للحرب، بما تعنيه الكلمة من معنى، وإدارته المباشرة للمعركة الديبلوماسية و المفاوضات خلال فترة تزيد على 16 سنة كاملة، كانت كافية لتدخل المغرب فى أخطر وضعية عرفها منذ 1956 تاريخ إستقلاله الشكلي عن فرنسا نتيجة لتخليه عن الإلتزامات التي تعاقد المغرب على أساسها مع الطرف الصحراوي ومع المجتمع الدولي من أجل إحلال السلام. 

هذا التوجه الذى ينذر بكل المخاطر انتجته و صممته "مجموعة القيادة" برئاسة الحاكم الفعلي فؤاد علي الهمة وعدة مستشارين أجانب منهم من ساهم فى تصميم و بناء الحزام العسكري، إختاروا للمبادرة أن تكون تحت عنوان "استراتجية القطيعة مع سياسة الكرسي الشاغر'' تتبنى المواجهة المباشرة ورفع سقف الاهداف والبوح بعدم الإكتراث للشرعية الدولية والتنصل تدريجيا من كل الإلتزامات، ثم الانخراط في كل ما يجعل المغرب يحصل و لو تكتيكيا على ربح المزيد من الوقت، بغض النظر عن الأساليب و الطرق المستعملة، سواء منها الماسة بكرامة الشعب المغربي أو تلك التي تلحق أضرارا عميقة بمصالحه الإستراتيجية و بمكانة وسمعة بلده.

لقد أسس ''مجموعة القيادة'' خطة دعائية إعلامية تعتمد على عمل اللوبيات للترويج للنموذج المغربي و للنظام السياسي لمواجهة الصورة السيئة التي تملأ صفحات الدراسات والبحوث والمعطيات الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة و الوكالات المتخصصة و المؤسسات المالية العالمية، حيث عمدت على أن ترافق تلك الخطة تنفيذ إستراتيجية " الكرسي المملوء" بدل "سياسة الكرسى الشاغر " تعتمد أساسا على نكران وجود الشعب الصحراوي وكل ما ينجر عن هذا الموقف الخطير من عدم الإعتراف بحقه في تقرير المصير و الاستقلال و من النتائج المنطقية المترتبة عن ذالك. 

هذا النهج الجديد خلص من خلالها العديد من المراقبين بمن فيهم الكثير من الأصدقاء المقربين من القصر المغربي، أن مؤشرات متلاحقة أصبحت تعطي الانطباع أن البلد سقط بين ايادي مراهقة سياسيا، إرتجالية تجازف بكل شيء بما فيها الأوضاع الكارثية للمغرب التي باتت تؤرق الكثير من العواصم المنشغلة بمصير الحكم و الاستقرار في بلد يتربع على موقع جغرافي حساس بالنسبة لها و تعيش الانعكسات السلبية الناتجة عن أوضاعه الإقتصادية والإجتماعية المتدنية التي أفرزت في العشيرة الفارطة وضعا يهدد أمنها القومي نتيجة تفاقم مهول لإنخراط المغاربة فى الجماعات المتطرفة و تنفيذهم لهجمات إرهابية في عدة بلدان أوروبية، إضافة إلى المتاجرة بالمخدرات وإغراق الأسواق الأوروبية والأفريقية بها وصولا إلى سلوك الإبتزاز بإستعمال ورقة الهجرة غير النظامية للحصول على التنازلات السياسية والاقتصادية.    

على هذا النحو إذن تبخرت الآمال التي صاحبت تولى محمد السادس دفة الحكم بصفة تدريجية تاركة داخل المغرب و خارجه تسليما بأن الربان، الحسن الثاني، الذي إختار التوصل إلى إنهاء النزاع الصحراوي-المغربي قبل أن يهتم بالعودة إلى المنظمة القارية،  كان يتصرف ببعد نظر وبحكمة و تبصر، لوقف التدحرج التدريجي للمغرب نحو المجهول والسكتة القلبية كما وصفها هو بنفسه، وهي المزايا مفقودة اليوم في عهد خليفته.

إذا كان الحسن الثاني قد رفض أن يقوم جيمس بيكر مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية بمساع من أجل إقتراح حل ثالث و تمسك بخيار إستفتاء تقرير المصير، عكس ما أقدم عليه محمد السادس، لإنه إستخلص كل النتائج الهامة والدروس الإستراتيجية من الإنعكاسات الحتمية لإستمرار الحرب و إنسداد أفق السلام و الإستقرار على نظامه اولا وعلى منطقة شمال أفريقيا برمتها. 

اليوم وفى مقاربة سياسية مناقضة لرؤية الحسن الثاني لجأ محمد السادس وفريقه إلى استراتيجية التملص من التزامات المغرب مع جبهة البوليساريو وتعهداته أمام المجتمع الدولي، من خلال تقديم مقترح للحل مبني على أساس "حكم ذاتي" للصحراء الغربية لم تلبث مناطق مغربية أن طالبت به حتى سار البعض من رجالات السياسة و الإعلام في المغرب ينعتونه ب "مشروع التدمير الذاتي" بدل " مقترح الحكم الذاتي".

إن عدم إحترام المغرب لإلتزاماته في موضوع الصحراء الغربية طبقا لمقتضيات مخطط التسوية الاممي الافريقي لسنة 1991، سيعود بنتائج كارثية لا يمكن تجنبها إلا من خلال العودة إلى سياسة تهدف لإنهاء الإحتلال، وطي صفحة التعنت والقطيعة مع نهج الهروب إلى الأمام، أو القفز على الحقائق، أساسا الجمهورية الصحراوية  التي أصبحت اليوم حقيقة وطنية، جهوية، قارية ودولية لا يمكن تجنبها أو إخفاؤها تحت أي ذريعة، ولعل في محطة مالابو، مابوتو، أبيدجان، بروكسيل، أديس أبابا بالأمس ويوكوهاما اليوم أدلة و مؤشرات على أن سياسة الإحتلال التوسعية لا يمكن أن تصمد طويلا أمام تصميم الشعب الصحراوي في بسط سيادته على أرض وطنه وتبؤ دولته مكانتها بين الأمم.