إبراهيم غالي، بين الدبلوماسية والكفاح المسلح.

                               الأمين العام للجبهة، رئيس الجمهورية السيد إبراهيم غالي

إبراهيم غالي هو الزعيم الحالي لجبهة البوليساريو، بعد أن كان المرشح الوحيد لخلافة المرحوم محمد عبد العزيز، على رأس السلطة إثر وفاته في نهاية مايو من عام 2016، بعد أن أفنى حياته في النضال والمقاومة من أجل حرية الشعب الصحراوي، وقد حصل غالي، أحد القادة الصحراويين التاريخيين الذين أسسوا جبهة البوليساريو، على نسبة 93.19 ٪ من مجموع أصوات المؤتمرين خلال المؤتمر الإستثنائي التي إنعقد بولاية الداخلة في أوائل يوليو 2016، في مخيمات اللاجئين الصحراويين قرب من مدينة تندوف بالجنوب الغربي للجزائر.


ومنذ وصوله إلى السلطة ، ركز غالي على التفاوق بين العمل الدبلوماسي لتحقيق إجراء استفتاء حول الصحراء الغربية، على النحو المنصوص عليه في القرار 690 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في عام 1991، والجانب العسكري من خلال إهتمامه بشكل غير مسبوق بالجيش الوطني والمؤسسة العسكرية للترتيب لفرضية العودة إلى المواجهة المسلحة مع المغرب في حال فشل العمل الديبلوماسي في ضمان تطبيق القانون الدولي في الصحراء الغربية المحتلة.

ويعرف عن السيد إبراهيم غالي رجل السياسة والحرب، حيث سبق له أن كان ممثلاً لجبهة البوليساريو في إسبانيا، سفيرا للجمهورية في الجزائر، وقبل ذلك وزيراً للدفاع في أول حكومة للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي أعلن عنها في نهاية فبراير 1976، حيث أدار هذه الوزارة خلال فترة الحرب التي أمتدت لـ16 سنة، وقاد حرب العصابات ضد المغرب والمجموعة الموريتانية بنجاح وإستراتيجية محكمة وضرب بيد من حديد تلك القوى الرجعية التي إجتاحت الصحراء الغربية عام 1975 بما سمي أنذاك المسيرة الخضراء، عقب تقسيم الإقليم في إتفاقيات مدريد المشؤومة.


وتوجت المواجهة العسكرية التي كان إبراهيم غالي أحد قادتها، بتوقيع إتفاقية سلام في العام 1979 بين جبهة البوليساريو وموريتانيا، التي إعترفت فيما بعد بالجمهورية الصحراوية، وإستمرت المواجهة العسكرية مع الإحتلال المغربي حتى عام 1991، أي عقب مصادقة مجلس الأمن الدولي على مجلس القرار 690، وتوقيع إتفاقية وقف إطلاق النار والإتفاق على إجراء استفتاء لتقرير المصير في المستعمرة الإسبانية السابقة، تشرف عليه بعثة الأمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية (MINURSO)، إلا أنها فشلت إستكمال مهمتها، التي كانت الضمانة الوحيدة لوقف المواجهة العسكرية.

وقد تولى غالي قيادة الحركة والدولة، في الوقت الذي أظهرت البعثة الأممية فشلها الكامل، خاصة عقب إقدام الإحتلال المغربي على طرد ولو بشكل مؤقت ل73 من أفرادها المحسوبين على الطاقم المدني من العيون المحتلة نحو جزر الكناري في عام 2016، قبل عودتهم مجددا إلى الإقليم بعد عدة أشهر تعرض خلالها النظام المغربي إلى ضغط قوي من قبل الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الذين عبروا عن رفضهم لهذا القرار غير المبرر واللامسؤول.



''إبراهيم غالي النواة الصلبة للجبهة وأكثر المؤيدين للعودة مجددا إلى حمل السلاح ضد الإحتلال''

من المنتظر أن تعقد جبهة البوليساريو مؤتمرها الشعبي العام الخامس عشر في الأشهر المقبلة القادمة، من المرجح أنه سيكون مخالفا لسابقه من المؤتمرات، نظرا لعدة عوامل من بينها ماهو متعلق بالبيت الداخلي، الوضع الإقتصادي المقلق للاجئين في ظل إنخفاض المساعدات الإنسانية بسبب الأزمة العالمية، وتزايد الأصوات الرافضة للإستمرار هذا الوضع في غياب أي أفق للحل، وتأييد العودة إلى حمل السلاح خاصة من قبل الشباب، وفي مقابل ذلك محاولات الحرس القديم إحكام القبضة مفاصل الدولة ومحاصرة الأجيال الجديدة، على الرغم من أن كلا الجانبين ليس لديهم أي تحفظ على مواصلة الأمين العام الحالي لقيادة الحركة والدولة لعهدة أخرى خاصة في ظل الوضع الراهن. 

أما فيما يخص الوضع الخارجي الذي يصاحب المؤتمر، تبدوا الأمور أصعب من السابق بالنسبة للقضية الصحراوية، في هي تمر بمرحلة تتسم بالصراعات الإقليمية، وركود القضية بسبب عرقلة المغرب لعملية التفاوض على حل يضمن حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، وهي عوامل قد تزيد وتيرة الضغط الداخلي على البوليساريو كونها ظروف تدعم طرح الكفاح المسلح الذي يتبناه الأغلبية الساحقة من الصحراويين سواء داخل المدن المحتلة أو في مخيمات اللاجئين.


هل ينجح غالي في تحقيق رغبات شعبه ؟ 

يدرك الشعب الصحراوي أن المعارك التي قادتها جبهة البوليساريو ما بعد 1991، هي مجرد حرب الشعارات والإدانة التي للأسف لم تغير أي شي على أرض الواقع، فالنظام المغربي لا زال يرفض الإمتثال إلى الشرعية الدولية والقبول بتنظيم إستفتاء تقرير المصير، وإستمرار إنتهاكات حقوق الإنسان ونهب المثروات الطبيعي في الأراضي المحتلة، وجملة من الجرائم والتجاوزات لا تعد ولا تحص… هذا الواقع المرير زاده فشل الأمم المتحدة لحد الآن في تعيين مبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة للوساطة، فما بالك بإيجاد حل للنزاع الذي بات يعرف بأكثر النزاعات تعقيدا في العالم. 

وأمام المعطيات المشار إليها سلفا، يبقى أمام إبراهيم غالي إختبارين الأول هو خلق تقارب بين رفاق الأمس والأجيال الجديدة في قيادة رائدة كفاح الشعب الصحراوي  ويكون بذلك قد أسس لمستقبل واعد يعي ثقافة التبادل على السلطة، وإشراك الشباب في تسيير شؤون الدولة والحركة، أما الإختبار الثاني فهو الأصعب نوعا ما لإرتباطه بالخارج والوضع الإقليمي، أي بضرورة إتخاذ قرارات جديدة حاسمة تجاه مسار التسوية الأممي، وخلق أوراق ضغط أخرى بما في ذلك التجاوب مع مطالب الصحراويين بالعودة إلى الكفاح المسلح إذا إقتضى الأمر ذلك، بدلا من المراهنة على الحل السلمي لوحده في تحقيق الاستقلال، لأن هذا التوجه في نظر الشعب ماهو إلا وسيلة لإطالة أمد النزاع وإستهتار بمستقبله، تحت مبرر بات وبشكل قاطع محل رفض من قبل الجميع.