هل تُمهِّد واشنطن لتثبيت "موقفها الإستراتيجي" تجاه الصحراء الغربية؟


- مدريد (ECS).- ظلّ نزاع الصحراء الغربية راكداً لأكثر من خمسة عقود، ويرجع ذلك أساساً إلى التعنت المغربي وافتقاره إلى الإرادة السياسية للوفاء بالتزاماته أمام المجتمع الدولي الموقعة عام 1991 و التي تقضي بإجراء استفتاء عادل في الصحراء الغربية، وهي المنطقة التي يحتلها المغرب بشكل غير قانوني منذ عام 1975 والتي اندلعت فيها الحرب من جديد عام 2020 بسبب ضم مناطق صحراوية جديدة جنوب البلاد.

ونتيجة لهذا الجمود الدبلوماسي الذي ينضاف إلى خطر زيادة العمليات العسكرية و بالتالي توسيع رقعة الحرب، أصبح تغيير التكتيكات الدبلوماسية ضروريا بشكل متزايد لتوجيه الصراع نحو الوسائل السلمية ومنح الشعب الصحراوي، باعتباره شعبا مستعمرا، الحق في تقرير مستقبله، كما تنص على ذالك قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. و في الآونة الأخيرة، قامت الولايات المتحدة بتعديل موقفها بشأن الصراع من خلال تضمين مصطلحات "جديدة" إلى حد ما تنأى بنفسها تدريجيا عن موقفها التقليدي المتمثل في الدعم الذي لا جدال فيه للأطروحة المغربية، وهو ما قد يمثل بداية تغيير استراتيجي.

و خلال زيارته الأخيرة للمغرب، أبلغ نائب وزير الخارجية الأمريكية لشؤون شمال إفريقيا، جوشوا هاريس، السلطات المغربية في أوائل ديسمبر الماضي أن خطته للحكم الذاتي للصحراء الغربية لديها "إمكانية" لتلبية تطلعات الشعب الصحراوي. وفي لقاء مع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، شارك فيه أيضا السفير الأمريكي بالرباط، بونيت تالوار، جدد هاريس التأكيد على التزام واشنطن بـ”المسار السياسي” فقط الذي أطلقته الأمم المتحدة لحل القضية الصحراوية، وشدد في الوقت نفسه على أهمية التعاون البنّاء مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا.

الولايات المتحدة الأمريكية، تعيد النظر في موقفها الاستراتيجي بعد ثلاث سنوات على تغريدة ترامب 

و قبل ثلاث سنوات بالضبط، اعترف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في الأيام الأخيرة من حكمه، بالسيادة المغربية المزعومة على أجزاء من الجمهورية الصحراوية بعد إتفاق مقايضة لدعم تطبيع العلاقات بين الرباط وإسرائيل في إطار اتفاقيات أبراهام. وهكذا تجرأ المغرب وظن أنه أصبح تحت حماية الولايات المتحدة الأمريكية، وما وصف حينها بـ«مُسند» للأطروحات التوسعية المغربية، أدخل الرباط في أزمات سياسية وتوترات دبلوماسية عميقة بعد محاولاته فرض قرار ترامب على بعض على الدول الأخرى والانتقام إذا لم تدعم قرار الإدارة الأمريكية.

و بعد ثلاث سنوات على تغريدة ترامب، خفّت حدة الدعم الأمريكي للاحتلال مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، التي ذكر فيها أن الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية هو فقط مجرد أحد "المقاربات المحتملة" لحلحلة القضية، مما يشير إلى إمكانية النظر في خيارات أخرى، لأن الأطروحة المغربي لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع و توسعه الشيء الذي ترفضه واشنطن بسبب صراعها الجيوسياسي مع الصين و روسيا للهيمنة على منطقة شمال أفريقيا و الساحل.

و تسعى واشنطن إلى تعزيز علاقاتها بإفريقيا بهدف تأمين منع تصاعد أدوار القوى المنافسة لها في النظام العالمي الجديد وضمان التأييد الأفريقي للسياسات الأميركية داخل المحافل الدولية والتعاون مع مطالب تحقيق أهداف الأمن القومي الأميركي، وتجاوز ضغوط الشركات متعددة الجنسيات بخاصة العاملة في مجالات البترول والتعدين والبنية التحتية واكتساب تأييدها لسياسات الإدارة الأميركية في ظل مطالبتها بتوفير المناخ المناسب لتوسيع أنشطتها في القارة بخاصة مع الاتجاه لزيادة حجم مشروعاتها واستثماراتها في أفريقيـا.

و يحوز شمال أفريقيا اهتماما غربيا لوحظ في السنوات الأخيرة، متخذا العديد من الأشكال، أبرزها التدخل الدولي، لحل الأزمات التي تدور في بؤر التوتر على غرار الساحل و  الصحراء الغربية وغيرها من المناطق الأفريقية.

إن هذه المتغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية في هذه الفترة القصيرة من الزمن لها تفسيرها في السياق الجيوسياسي الذي حدثت فيه؛ اعتراف ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية جاء عندما كانت اتفاقيات أبراهام على قدم وساق، والتي روج لها صهره كوشنر، ذو الأصل اليهودي، وتحول إلى «العراب» في الدبلوماسية الترامبية، رغم أنها اليوم معلقة بخيط بسبب المذبحة الوحشية التي يرتكبها الإسرائيليون الآن في غزة.

ومن ناحية أخرى، فإن موقف إدارة بايدن يأتي في سياق يتّسم بعدم قدرة المغرب وإسرائيل على حماية مصالحهما في المنطقة، في ظل عداء الرباط مع جيرانها، و مع أزمة دبلوماسية مفتوحة بين الرباط و عدة دول في المنطقة تهدد بوصول الأوضاع إلى ما لا يمكن السيطرة عليه. و تحاول تل أبيب بكل الوسائل جر الولايات المتحدة إلى حرب ضد إيران بينما تسعى الرباط بشدة إلى إقناع واشنطن بالضغط على الجزائر، لكن عندما يتعرض الأمن القومي المرتبط بالاستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة للتهديد، تنظر الدولة العميقة إلى مصالحها الإستراتيجية فقط

وبدأ موقف بايدن يلين بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، بعد رفض إدارته فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة المحتلة أو بيع الرباط طائرات بدون طيار من طراز "ريبر 9"، كما وعدت واشنطن محمد السادس بذالك أثناء تطبيع العلاقات مع إسرائيل. بعد ذلك، بدأت وزارة الخارجية في إدراج مصطلحات "الحل الكريم للشعب الصحراوي"، و بعد ذالك، دون الحاجة إلى وساطة الأمم المتحدة، نظمت وزارة الخارجية زيارات الى الأطراف المعنية والمهتمة بإعادة إطلاق الحوار والمسار السياسي" في الصحراء الغربية دون مزيد من التأخير". و في أقل من ثلاثة أشهر، قام نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شمال أفريقيا، جوشوا هاريس، بثلاث زيارات إلى المنطقة، بهدف معلن هو: "تكثيف الجهود من أجل إطلاق العملية السياسية في الصحراء الغربية والتحرك نحو تحقيق السلام الشامل"

إن هذا النشاط المتجدد حول النزاع الصحراوي والموقف الأمريكي الحالي مع خطابها الجديد تجاه المنطقة قد يمثل بداية تغيير جديد فيما يتعلق بالنزاع في الصحراء الغربية لعدة أسباب؛ لقد تعرض دور واشنطن كحامل القلم لجميع القرارات في مجلس الأمن المتعلقة بالنزاع في الصحراء الغربية للخطر بسبب دعمها المعلن لأحد الأطراف. إن البقاء على الحياد من شأنه أن يؤدي إلى تخفيف العداء المغربي تجاه حلفائه في الناتو، مثل إسبانيا، وسيحميهم من العقوبات الاقتصادية التي قد تتخذها الجزائر في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا و النزاع في الشرق الأوسط و البحر الأحمر.