مقال للرأي : الاتفاق الإسرائيلي المغربي يزرع بذور صراع طويل الأمد

نيويورك، 15 ديسمبر 2020 (ECSAHARAUI)

مقال لميتشل بليتك (Mitchell Plitnick) محلل سياسي وكاتب، وهو مدير منظمة ReThinking Foreign Policy الأمريكية.

 

ترجمة كاملة وغير رسمية للمقال:

 

أعلنت الولايات المتحدة يوم الخميس أنها توسطت في صفقة للمغرب لإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل. تَعتبر إدارة ترامب المنتهية ولايتها هذا انتصارا آخرا للسياسة الخارجية. في الواقع، إن هذا خطأ سيضاعف من الصعوبات التي تواجهها إسرائيل في كسب القبول الدائم والاستقرار في المنطقة.


بموافقتها على الاعتراف بالسيادة المغربية على أراضي الصحراء الغربية المحتلة منذ عام 1975، فإن إدارة ترامب قد تجاوزت حتى معاييرها الخاصة في المعاملات.

هذا الاعتراف باحتلالٍ خدمةً لاحتلالٍ آخر هو أكثر سخرية من صفقات التطبيع التي توسطت فيها مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان.


لم تتناول أيٌ من هذه الصفقات القضايا التي حالت دون التطبيع في الماضي، وبدلا من ذلك، كانت رشوة وتملق وضغط واشنطن هو ما أدى إلى التطبيع.

في حين أن البعض قد يكون راضيا عن النتيجة بغض النظر عن كيفية التوصل إليها، فإن التكاليف على المدى البعيد مهمة بالنسبة لإسرائيل، والولايات المتحدة، والأهم من ذلك، للفلسطينيين.


وافقت كلٌ من الإمارات والبحرين على التطبيع مع إسرائيل على أمل أن يمنحهما ذلك إمكانية الحصول على أسلحةٍ أكثر تطورا مما كان مسموحا لهما بشرائه من قبل.

الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في ردٍ على غضب خصومه السياسيين الذين ظلوا في الخفاء بشأن المفاوضات، نفى في البداية موافقته على بيع مقاتلات F-35 والطائرات بدون طيار للإمارات العربية المتحدة، ولكنه في النهاية أوضح أنه أيّد عملية البيع، كما فعل منافسه الرئيسي وشريكه بيني غانتس.


في حالة السودان، قد أدى تصنيف الولايات المتحدة لهذا البلد كدولة راعية للإرهاب إلى تدمير الاقتصاد. لذلك عرضت إدارة ترامب شطب اسم السودان من القائمة مقابل مدفوعات نقدية لتعويض بعض عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر وموافقة السودان على التطبيع مع إسرائيل. تحركت السودان بحذر، وطلبت من إسرائيل مساعدتها في الضغط من أجل إصدار تشريعٍ يحمي السودان من المتابعات القضائية المستقبلية.


هذا يضع الولايات المتحدة في موقف سياسي حرج. فتحنا الباب لحصول عائلات الـ 11 سبتمبر على تعويض من بلدٍ كان يؤوي القاعدة وأسامة بن لادن في منتصف التسعينيات، وكان قد طردهم قبل سنوات من الـ 11 سبتمبر. الآن نقول لهم بأنه لا يمكنهم العودة هذا الطريق لأن هذا هو ثمن تطبيع السودان المحتمل مع إسرائيل. لكن إذا كان ما زال بالإمكان مقاضاة السودان، فليس من المنطقي أن يمضي قادتها قُدما في الصفقة التي توسط فيها ترامب. في هذه المرحلة، من غير الواضح ما إذا كان سيتم إتمام هذه الصفقة.


ثمن التطبيع:

التطبيع مع إسرائيل يعني بالفعل أن نوعية الترسانة الحربية في منطقة الخليج الفارسي ستـقـفـز قفزة هائلة. وكما صرح السناتور الديمقراطي كريس مورفي أثناء شرحه لأسباب التقدم بمشروع قانون لمنع بيع الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة، فإن "تأجيج سباق التسلح في الشرق الأوسط هو مجرد سياسة سيئة لأن إيران سترد بتكثيف ترسانتها الخاصة، وكل الدول الأخرى في الخليج الفارسي ستسعى لامتلاك أسلحة مماثلة لمواكبة الإمارات". هُزم مشروع مورفي ومضت عملية البيع قُدما.


التطبيع يعني أيضا الضغط على حكومة يائسة مع اقتصادٍ منهار تكافح للخروج من طريق الديكتاتورية إلى الديمقراطية. السودان أبدت تضامنا قويا مع القضية الفلسطينية منذ فترة طويلة، لكن الولايات المتحدة استغلت موقفها الضعيف لإجبارها على القيام بهذه الخطوة المثيرة للجدل في وقتٍ كان آخر ما يحتاجه شعبها هو قضية خارجية تزيد من إنقسامهم. هذا لن يجعل إسرائيل أو الولايات المتحدة محبوبة لدى شعب السودان بغض النظر عما توافق عليه حكومته.


الاتفاق مع المغرب يجمع أسوأ ما في اتفاق أبراهام مع الإمارات والبحرين وأسوأ ما في الاتفاق مع السودان، كما أنه يدوس على القانون الدولي، ويقدم مثالا آخرا على أن إدارة ترامب تدفع أكثر بكثير مما هو ضروري لتحقيق مكاسب ضئيلة.

بينما كانت اتصالات القنوات الخلفية بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل مستمرة منذ سنوات، كان للمغرب وإسرائيل اتصال علني مفتوح على نطاق واسع.

في الوقت الذي كانت فيه علاقات الدولتين غير ودية رسميا، كانت لإسرائيل والملك المغربي الحسن الثاني، الذي حكم من عام 1961 إلى عام 1999، علاقة عمل، وكان لإسرائيل دورٌ فعال في الحفاظ على حكم الملك، واستمرت تلك العلاقة في عهد الملك المغربي الحالي محمد السادس، بل أن المغرب فتح "مكتب اتصال" في إسرائيل بعد توقيع اتفاقات أوسلو، إلا أنه تم إغلاقه بعد اندلاع الانتفاضة الثانية.

لذلك، فإن تطوير العلاقات بين المغرب وإسرائيل ليس بنفس حجم الصفقات مع الدول الأخرى.

لا شك أن التطبيع الرسمي ما زال مرغوبا للغاية بالنسبة لإسرائيل وأنصارها، لكنه كان بالإمكان أن يكون أرخص من الثمن الذي دفعته الولايات المتحدة مقابل ذلك بالتأكيد.

مقابل اتفاق التطبيع، اعترفت الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على منطقة الصحراء الغربية، لتكون الدولة الغربية الوحيدة التي فعلت ذلك، وهذا تحول كبير في سياسة الولايات المتحدة.


أيدت إدارة جورج بوش (الإبن) خطة الحكم الذاتي المغربية، لكن باراك أوباما أعاد السياسة الأمريكية إلى سابق عهدها، ودعم قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة، لكنه أيضا منع مجلس الأمن من الضغط على المغرب للامتثال لهذه القرارات. ومع ذلك، لم يقترب أحد قط من الاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة.

تمت ملاحظة أوجه التشابه بين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واحتلال المغرب للصحراء الغربية في الماضي، بالرغم من وجود اختلافات مهمة أيضا. ولكن مهما كان وجه التشابه، فإن علاقة المغرب الفاترة بالفعل مع إسرائيل تعني أن الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية لم يكن ضروريا للتطبيع.

في الواقع، كانت إدارة ترامب قد بدأت في محادثاتٍ لبيع أسلحة متطورة للمغرب، وهو ما كان حافزا كافيا للإمارات لإجراء قفزة أكثر خطورة للتقدم في التطبيع مع إسرائيل.


زرع بذور الصراع باسم التطبيع:

الرسالة التي يرسلها ترامب إلى المنطقة هي رسالة خطيرة للغاية، بالنسبة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل. هذه الصفقات ترسل رسالة بأن حقوق الإنسان والحقوق الوطنية للعرب والمسلمين في الشرق الأوسط ليست لها أية أهمية.


من أجل إسرائيل، ستجعل الولايات المتحدة الصراع في المنطقة أكثر تدميرا ودموية، ومن أجل إسرائيل، ستحتجز الولايات المتحدة اقتصاد دولة بأكملها كرهينة، وستتنكر لحقوق شعب آخر يحاول التخلص من نير عقود من الاحتلال مثل الفلسطينيين.


إنها رسالة تخبر العالم بأنك إذا كنتَ ترغب في الحصول على شيء ما من واشنطن، فعليك أن تتقرب من حكومة إسرائيل وسيكون احتمال تحقيق رغباتك أكبر، ومن المؤكد أن هذا سيزيد العداء الشعبي تجاه إسرائيل في جميع أنحاء العالم.


لقد أظهرت الولايات المتحدة أن عداءها للقضية الفلسطينية سينطبق على الآخرين، مثل الصحراويين في الصحراء الغربية  الذين يناضلون من أجل الحرية والعدالة.


ستثبت إسرائيل أن التطبيع معها هو طريقٌ للحكومات الاستبدادية للحصول على قبول متزايد، وأن الدولة اليهودية مستعدة لرؤية هذه الدول مسلحة بأسلحة جديدة ومُمَكَّنة سياسيًا فقط من أجل تسجيل نقاط سياسية.

هذا ليس حلا طويل الأمد للسلام.