بسبب المصالح الإقتصادية.. أزمة صامتة بين باريس والرباط

الرئيس الفرنسي: إمانويل ماكرون (وكالات)

تعرف العلاقات الفرنسية المغربية فتورا غير مسبوق منذ فترة ليست بالقصيرة، لأسباب أهمها الجانب الإقتصادي الذي بات الرقم واحد من بين أولويات باريس منذ تولي رجل الإقتصاد والمال إمانويل ماكرون لدفة الحكم في هذا البلد أظهر فشله في السيطرة الفعلية على منطقة شمال أفريقيا التي طالما قدم نفسه للعالم بصفة المتحكم في القرارات السياسية والمعني الأول بإستتباب الأمن والاستقرار فيها. 
السباق والإقتصادي الذي تخوض غماره مجموعة من القوى الدولية كوسيلة حديثة للإستعمار والهيمنة على بلدان العالم الثالث وبالتالي التحكم في إقتصادها وأمنها وقراراتها وتوجهها السياسي، جعل من المغرب نظرا لموقعه الجغرافي ووضعه الاجتماعي والسياسي الضعيف بين الأمم أرضاً خصبة لهذا السباق الذي إستولت الصين فيه حصة الأسد وهو مشروع القطارات السريعة بين مراكش وأكادير إضافة إلى المدينة المتطورة في طنجة كموطئ قدم في السوق الافريقية، بينما زادت إسبانيا من ملكيتها على النقل الحضاري من خلال شركة "ألزا" لا سيما في المدن الكبرى مثل  مراكش والدار البيضاء بالإضافة إلى العاصمة الرباط. 

هذا التفوق لصالح الصين وأسبانيا قابله فشل مشروع شركة "رونو" لصالح إقتصاد فرنسا في المغرب كما أقر بذلك وزير الاقتصاد الفرنسي، لينضاف بذلك إلى الصفقة المغربية الفرنسية التي خسرتها باريس لصالح واشنطن المتعلقة بشراء سرب طائرات حربية. الهيمنة الصينية غير المتوقعة على مشروع القطار السريع الذي كانت تطمح فرنسا للتعويض خسائرها الداخلية بسبب مشروع تصنيع السيارات، كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس،  ودفعت ساسة الإليزيه إلى تغيير طريقة التعامل التي إعتادها إبنها البار الطائع إلى وقت قريب، حيث تطورت الأزمة لتخرج إلى العلن وتترجم إلى هجوم غير مسبوق، بعد إعطاء الضوء الأخضر لوسائل الإعلام الرسمية والمستقلة الفرنسية لتسليط الضوء على مجموعة من الملفات والقضايا الحساسة لدى النظام المغربي كنوع من الضغط، مثل حراك الريف وما نجم عنه، وحرية الصحافة والاحتقان الاجتماعي، لكن يظل الأكثر حساسية لدى الجانبين هي قضية الصحراء الغربية التي أدرجت هي الأخرى ولكن بمفردات وبأسلوب لم نتعودهم من الإعلام الفرنسي، خصوصا بعدما ظلت إلى وقت قريب مُغيبة بفعل فاعل، رغم الجهود التي كانت تقودها ممثلية الجبهة وحركة التضامن والنواب بفرنسا على كل المستويات لا سيما الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ . 

لقد بلغ غضب باريس على الرباط إلى مستوى تجاهل مجموعة من المطالب تقدم بها القصر الملكي المغربي تتعلق بفتح تحقيق في حادث إحراق "العلم المغربي" في عدة مناسبات بباريس وبيتز، ومنع الترخيص للمظاهرات والأنشطة الداعمة لقضية الشعب الصحراوي وكذلك لحراك الريف،  ولكن يبقى ما المثير في الأزمة الحالية بين البلدين رفض وزير الخارجية، جان إيڤ لودريان لقاء بوريطة ضمن سلسلة اللقاءات التي عقدها مع نظراءه من الوزراء و روؤساء الحكومات والبلدان خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم الإلغاء المفاجىء لزيارة مرتقبة من الرئيس إمانويل ماكرون إلى المغرب دون الكشف عن الأسباب أو تحديد تاريخ آخر لها، مع تكتم الصحافة الفرنسية على هذا الموضوع. 

مجموعة الأحداث التي سجلت في العلاقات الفرنسية-المغربية، دفعت القصر بإيعاز من بوريطة الحديث الوجود في عالم السياسة إلى السابق مع الزمن للحصول على دعم أمريكي لعله يكون بديلا لتراجع فرنسا عن دورها في التصدي للصدمات الخارجية والداخلية التي تهز نظامه بين الفينة والأخرى، وجاء الاختيار على أمريكا رغم موقف ترامب من محمد السادس بسبب دعمه لنظيرته هيلاري كلينتون في رئاسيات امريكا، ولعل الضغط الذي يمر منه المغرب دفعه إلى التراجع بكل سهولة عن خطاب دعائي طالما تبجح به في دعم فلسطين متحججا برئاسة القدس، والقبول في مقابل ذلك ودون شرط أو ضمانات بمطالب امريكا، تحديداً  الانخراط في حملة دعم "صفقة القرن" بل ذهبت الرباط أبعد من ذلك بإحتضان مشاورات لمستشاري ترامب ووزير خارجيته مع بعض الأطراف العربية، بهدف كسب ود الإدارة الأمريكية، التي تأكد في الأخير أنها أكبر من أن تلعب نفس الدور السلبي المفضوح لفرنسا في قضية الصحراء الغربية.