كيف إحتكر ملك المغرب إقتصاد بلده وجعل رعاياه زبناء لشركاته الأخطبوطية؟




لقد شكل الإقتصاد في المغرب حالة فريدة عن ماهو معروف ومعمول به في مختلف بلدان العالم، وذلك طبعا للإحتكار الكامل والشامل للهولدينغ الملكي لهذا القطاع والتحكم في مفاصله بشكل رهيب وبدعم من ميزانية الدولة والمواطنين أنفسهم، كيف لا فكل المشاريع التي كانت يقترحها الهولدينغ تحت أسماء شركات يجهل مالوكها الحقيقيين تتلقى دعما من ميزانية الدولة، وهي نفسها تتحكم في السوق الذي هو ملجئ لكل مواطن سواء في المواد الغذائية الأساسية و السكن أو كذلك المستلزمات الأخرى مثل الكهرباء، الماء، الإتصالات والوقود. هذا طبعا راجع إلى السيطرة التي تفرضها مجموعة (أونا) على مختلف القطاعات الحيوية في البلد مثل، الصيد البحري والفلاحة، الصناعة والمعادن، الصناعة الغذائية، البنوك، المعلومات والإتصالات، برأس مال وأسهم ضخمة تمكنها من مراقبة كل هذه القطاعات والتحكم فيها بشكل سهل وفق ما يخدم رغبات الحاكم المهووس بالمال.

تعد إستراتجية القصر المغربي في السطو على إقتصاد البلد مسألة غاية في الأهمية، توحي وكأن الحاكم يرى المغرب مجرد ضيعة خاصة به وبأفراد الأسرة الملكية ويحق لهم ما لا يحق لغيرهم في التصرف بالموارد والثروات، في صورة تشبه إلى حد ما فكر البرزواجية المتوحشة ومنطق القوي يأكل الضعيف، أو بمعنى آخر ''أخذ منك مالك لأتصدق عليك بالقليل منه'' هكذا إذن كانت شركة أومنيوم شمال إفريقيا (أونا) المتعددة النشاطات وذات وزن في الإقتصاد المغربي، والتي يعود تاريخ تأسيسها إلى حقبة الحماية الفرنسية حيث كانت فرعا لمجموعة (باريبا) قبل أن تسلم من تحت الطاولة إلى الأسرة الملكية وتتمتع حاليا بمعاملة تفضيلية في العديد من القطاعات الاقتصادية لتصبح بين ليلة وضحاها المسيطر الوحيد على قطاعات كبيرة في إقتصاد البلد كقطاع الحليب ومشتقاته، صناعة السكر، الصيد البحري، العقار، الفلاحة، الاتصالات، الزيوت، المناجم، والبيع بالتجزئة، وإلى جانب ذلك تمتلك حصة مهمة في أكبر بنك خاص في المغرب وهو التجاري وفا بنك، والقناة التلفزيونية والإذاعية دوزيم 2M (القناة الثانية) التي تم إتباعها في ما بعد إلى الدولة دون الكشف عن تفاصيل الصفة.

سياسة السيطرة المتعمدة بكل الطرق، نجم عنها مجموعة من التداعيات السلبية، أبرزها تراجع رجال الأعمال وسحب مجموعة من مشاريعهم وأسهمهم نحو الخارج الشيء الذي أدى إلى غياب المنافسة وبعدها إلى ضعف الجودة في مختلف القطاعات جعلت من الزبناء (المواطنين المغاربة) رهينة لمزاج ورغبات الشركة الملكية المسيطرة، وسد الطريق في وجه أي كان لدخول غمار المنافسة الإقتصادية في هذا البلد إلى حدود سنة 2011. مع بداية الإنتفاضات في المغرب  والمطالبة بفصل المال عن السياسية وغيرها من الشعارات، أحسست الشركة الأخطبوط أنها تسيطر وبشكل غير مسبوق على الحياة اليومية للمغاربة وجعلتها جحيما نتيجة الغلاء مقابل الفقر الذي تعيشه الأغلبية الساحقة من الأسر خاصة في المناطق النائية أو الأحياء الصفيحية المنتشرة بشكل واسع في المدن الكبرى، فبالتالي وأمام الغضب الذي قد يكشف الكثير من الخبايا حول مجموعة (أونا) بات من الضروري إتخاذ خطوة التخلي عن بعض القطاعات التي تمس بشكل مباشر الحياة اليومية للمواطن (المواد الغذائية) لبعض الشركات الأخرى رغم أن المحاولة هي مجرد ذر الرماد في الأعين، فكل الشركات التي باشرت عملها على في هذه القطاعات هي مجرد واجهة واقية للشركة الأم والأخطبوط التي لا تزال ترفض السماح بمشاركتها في القطاعات الحيوية مثل المال، الاتصالات والمعلومات، السياحة، العقار، البناء، الطاقة والبيئة التي تحظى فيهم بميزة تفضيلية من لدن الدولة. 



على هذا النحو إستمر القصر في نهب موارد البلد والمواطنين، عبر تفريخ شركات صغير ضمن ما أسماه بالمشاريع الصغرى التي لم تكن يوما كما يرى البعض لصالح المواطنين ورجال الأعمال المبتدئين بقدر ما كان تهدف مصالح الهولدينغ الملكي لتستر على الصفقات والعمليات المشبوهة للسيطرة على الإقتصاد، حيث شهدت السنوات الأخيرة ظهور العديدة من الشركات الصغرى في مختلف المجالات وإستطاعت ولوج السوق بطريقة سريعة وسلسلة عكس ما كانت عليه الأوضاع سابقا، ولعل ما يفسر هذا التحول هو الإستراتجية الجديدة في التخفي وراء أسماء شركات حديثة للمضي في نفس النهج أي السيطرة على كل القطاعات دون ترك بصمة أو أي علامة للشركات التابعة للهولدينغ الملكي، ولتأكد مع عملية التمويه هذه نعود إلى قضية الشركة السعودية للزيوت (عافية) التي إجتاحت في فترة وجيزة الأسواق المغربية وأخذت مكانة بحكم الجودة والثمن المناسب مقارنة بالدخل الفردي للمواطن الذي فضل هذا النوع من الزيوت عن لوسرا التابعة للهوليدينغ وكلفها خسائر كبيرة أزعجت مالك الشركة الذي أصدر بدوره أوامر تحت الطاولة إلى اللجن والمؤسسات الملكفة بالمراقبة جودة المواد الغذائية وحماية المستهلك بإبلاغ كل الأسواق والتجار بما فيها أسواق مرجان بعدم شراء وبيع زيوت (عافية) التي كبدت الشركة خسارة كبيرة نجم عنها الإنسحاب الفروي والكامل من الإستثمار في المغرب، ونفس السيناريو تكرر مع شركة بوينغ للبناء حيث تعرضت هي الأخرى لمضايقات جمة في المعاملات الإدارية لمواصلة العمل وتوسيع مجال عملها وصل إلى حد إبلاغ الساسة الفرنسيين الذين بدورهم فشلوا في إقناع ملك المغرب في حلحلت مشاكل الشركة وجعل المنافسة النظيفة في السوق المغربي، حسب التقاليد المتعارف عليها في مجال الإقتصاد هي الفيصل بين شركات البناء المتعددة التابعة للهوليدينغ وشركة بوينغ التي إنسحبت هي الأخرى فيما بعد.



إن البحث وراء الشركات التابعة للهولدينغ الملكي ومعرفة عددها والقطاعات التي تعمل فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، أو حتى الكشف عن الأرباح  التي تجنيها من جيوب المواطنين وأموال الدولة، ليس بالأمر السهل لكن ما يمكن أن التأكد منه أن غياب الشركات الخاصة غير المرتبطة بالأخطبوط شبه منعدمة الشيء الذي يوحي أن السيطرة على الإقتصاد بالمغرب تعود بنسبة 99% إلى الأسرة الملكية لوحده دون غيرها، على هذا الأساس، وبفضل الميزة التفضيلية وموقع المالك وما راكمه من أملاك، بات الاقتصاد المغربي رهينة رغبات الملك وأسرته تتحكم بقبضة من حديد في مفاصله الكبرى ''استثمارا، إنتاجا، توزيعا واستهلاكا، توحي وكأن دولة داخل الدولة لا رقيب على أنشطتها ولا حسيب لسلوكها بل الأكثر من ذلك لا يجرؤ لجان التحقيق النطق بكلمة المساءلة أو الإستفسار عن الأرباح أو في مجالات إشتغال الشركة الأخطبوط التي باتت في السوق هي الخصم والحكم، وبدون رحمة ولا شفة جعلت من المواطن المغربي مجرد زبون لدى الملك وأسرته يدفع في كل دقيقة وساعة من ماله الخاص ليزيد من ثراء الحاكم وإحكام قبضته على كل مفاصل الدولة والسيطرة على عيش وحياة الشعب المغربي.