الإتحاد الأوروبي ونزاع الصحراء الغربية


أعضاء الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو خلال إحدى الإجتماعات بمقر البرلمان الأوروبي.

أدرجت الصحراء الغربية بشكل رسمي منذ عقود على قائمة الأمم المتحدة للمناطق غير المتمتعة بالحكم الذاتي في انتظار إنهاء الاستعمار، لتصبح آخر مستعمرة في القارة الأفريقية، أصدرت بشأنها المنظمة الأممية عدة قرارات واضحة للغاية، على سبيل المثال القرار رقم 34/37 المؤرخ في 1979، تقول فيه "يجب أن يتمتع شعب الصحراء الغربية،  بحقه غير القابل لللتصرف في تقرير المصير والإستقلال، كما أكدت على ضرورة إِشراك جبهة البوليساريو في أي حل للقضية بإعتبارها الممثل الشرعي الوحيد لهذا الشعب.

ورغم وضوح القرار إلأ أنه وطيلة 45 عاما فشلت كل محاولات حل النزاع حتى الآن،  بما فيها المهمة الموكلة إلى بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (MINURSO)، التي تأسست عام 1991 بهدف إجراء استفتاء للشعب الصحراوي للاختيار بين الاستقلال أو الاندماج مع المغرب، وهي المهمة التي ظلت عالقة للأسف بسبب ما قيل عنه إشكاليات تقنية في إجراء الاستفتاء، إضافة إلى الجانب الأكبر في المشكلة: غياب الإرادة السياسية من جانب الإحتلال المغربي في إنهاء النزاع بطريقة سلمية وديمقراطية.

لقد قدم النظام المغربي، الذي يحتل الصحراء الغربية، مقترح الحكم الذاتي، رسميا في عام 2007 من قبل ما يسمى بالمجلس الملكي الاستشاري المغربي للشؤون الصحراوية (CORCAS)، يسمح حد قوله بإنشاء حكومة صحراوية تشرف على الشؤون الداخلية للإقليم لكن تحت السيادة المغربية، في حين يدير المغرب ​​الشؤون الخارجية والدفاع، إلا أن هذا المقترح لم يتقدم بسنتيمتر واحد منذ تقديمه في عام 2007 ورغم أنه لا يحظى بأي دعم دولي، نظرا لعدم تماشيه مع الشرعية الدولية وقرارات هيئة الأمم المتحدة  ومجلس الأمن ذات الصلة. من جانبها جبهة البوليساريو كانت أكثر وضوحا بشأن خيار حل للنزاع، حيث أكدت على أنها ترفض جملة وتفصيلا المقترح المغربي الذي يشكل حلا مفروضا بدلا من أن يعطي للشعب الصحراوي حق الإختيار في تحديد مستقبله بشكل ديمقراطي ونزيه، عكس مقترحها الداعي إلى إجراء إستفتاء حول تقرير المصير الذي يحظى بدعم دولي واسع، إضافة إلى ذلك فهو الحل المتفق عليه عشية توقيع إتفاق وقف إطلاق النار بين طرفين النزاع (جبهة البوليساريو والمغرب)

وفي ظل إستمرار وإتساع مساحة الإختلاف بين جبهة البوليساريو والمغرب على صيغة الحل، عين الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثه الخاص إلى الصحراء الغربية، الرئيس الألماني الأسبق هروست كولر في أغسطس 2017، الذي اطلق بدوره دينيامكية جديدة للملف، أثارت حماس المجتمع الدولي وأعادت الإهتمام بنزاع الصحراء الغربية، المعروف عنه في العصر الحالي من بين أكثر النزاعات تعقيدا، نظرا لتضارب مصالح الكثير بين بعض الأطراف والبلدان والقوى بشأنه، التي كانت بعد أشهر سببا رئيسيا في الإستقالة السريعة للسيد كولر، على الرغم من ربط الأمم المتحدة قرار الإستقالة بدواعي صحية. 

كان على تلك الأطراف ذات المصلحة بالصحراء الغربية، أن تساعد في هذه النقلة الإيجابية نوعا ما، فعلى سبيل المثال كان بمقدور الإتحاد الأوروبي أن ينتهز إتفاقيات الشراكة مع المغرب للدفع به إلى المفاوضات المباشرة مع جبهة البوليساريو. بإعتبار هذا أحد الاحتمالات المساهمة في إستئناف المفاوضات، بما أن كل طرف متشبث بموقفه، كان لابد من طرف ثالث من خارج النزاع يدفع المسألة في الإتجاه الصحيح، على الرغم من أن فرص نجاح هذه المبادرة يبقى ضئيلا بسبب مواقفهم المتباعدة والرؤية المختلفة لكل طرف في حل النزاع.


''إستمرار نهب الموارد الطبيعية عامل لا يخدم مساعي إيجاد الحل''


إن أحد أهم العوامل التي بإمكانها أن تلزم كل الأطراف المتورطة في إطالة أمد النزاع في الصحراء الغربية المساهمة في دفع عملية السلام في الصحراء الغربية، هو وقف إستمرار الإستفادة من الموارد الطبيعية للإقليم ما دامت هناك أطرف متنازعة عليه، وذلك طبعا بإتخاذ إجراءات ضد كل من المغرب وكذلك شركاءها الأوروبيين، تضع حدا لوصولهم إلى كل تلك الموارد وتعليق الإتفاقيات التي تشمل الإقليم، إلى حين التوصل إلى حل نهائي يتماشى مع الشرعية الدولية. لأن أي منفذ نحو الإستفادة من الموارد دون حاجة إلى إنتظار إنهاء النزاع أو منح الاستقلال لهذه الأراضي، فهو أكبر عائق أمام إحراز تقدم أو مسار التسوية بل الأكثر من ذلك وأحد الأسباب التي ستدفع المغرب والإتحاد إلى التمرد على الشرعية الدولية ما دامت الأهداف الإقتصادية متوفرة، وهذا ما لمسناه في موقف المؤسسات الأوروبية التي باتت تدعي ما لا تقوم به ضمن ما يعرف بسياسة المماطلة وبيع الوهم للشعب الصحراوي وللمنتظم الدولي.


ولتغطية على الموقف الأوروبي السلبي بشأن النزاع، يحاول جاهدا تقديم المغرب في ثوب حامي أمن أوروبا، وإعطاءه أهمية بالغة في سياسة الإتحاد، تحت شعار تعزيز الاستقرار ومكافحة الإرهاب في المنطقة، بدلا من كشف حقيقة العلاقات الأوروبية المغربية المبينة بشكل أساسي على المصلحة الإقتصادي ولو إقتضى ذلك الإلتفاف على القانون،  فقد قدرت مفوضية الاتحاد الأوروبي أن 56.5٪ من واردات المغرب سنويا تأتي من الاتحاد الأوروبي، كما يصدر إلى المغرب آليات ومعدات النقل تصل قيمتها 8400 مليون يورو، إضافة إلى الوقود والمعادن بقيمة 5،200 مليون يورو، و1،800 مليون يورو من المنسوجات والملابس، وفي جانب الخدمات تبلغ صادراته نحو 3.6 مليار من يورو سنوي، هذا الحجم الهائل من الأموال ينضاف إليه ما لا يقل عن 40 مليون يورو، القيمة الإضافية التي طلبها المغرب مؤخرًا من الاتحاد الأوروبي، مقابل تراخيص الصيد (أكثر من 90٪ من الأسماك التي يتم صيدها في مياه الصحراء الغربية)، المستفيد الأول والرئيسي منها هي الحكومة الإسبانية.

ونظرا لأهمية الموارد الطبيعية وضرورة إرغام الإتحاد الأوروبي على تجديد إتفاقيات الشراكة مع المغرب، فقد لوح هذا الأخير أنه إذا تطورت نتيجة إعادة التفاوض بصورة غير مواتية، فإن ذلك سيكون له تداعيات على ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، السيناريو الذي لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتحمل رؤيته في وقت تهدد فيه الهجرة بتمزيق وحدة البلدان الأوروبية، وفق ما تقوله بلدان جنوب القارة الأوروبية، على الرغم من أن كل ذلك لم يحدد بعد الدور الذي يدعي المغرب لعبه في وقف تدفق الهجرة غير الشرعية، مع العلم أن طرق الهجرة من المغرب نحو أوروبا ظلت منذ بدايتها سلسة ولم تكن عقبة أمام أفواج المهاجرين المتزايدة.


''المصالح الإقتصادية وعملية السلام''

إن تعارض إتفاقيات الشراكة الإقتصادية بين المغرب والإتحاد الأوروبي مع عملية السلام التابعة للأمم المتحدة أمر لا جدال فيها، ولعل مقترحات التعديلات على الاتفاقيات التجارية التي تقدمت بها مفوضية الاوروبية كانت واضحة وخير دليل على تعاطي أوروبا مع القضية، رغم التعبير في أكثر من مرة أن موقف الإتحاد الأوروبي يأخذ بعين الإعتبار الوضع القانوني للصحراء الغربية ومساعي الأمم المتحدة في حل النزاع، ومع ذلك، فإن الحقيقة العملية لأوروبا تقف إلى جانب المغرب ولم كن يوما لتلعب دورا أكثر فاعلية في حل النزاع، هذا الموقف راجع بالدرجة الأولى إلى القاعدة المتخذة في السياسة الخارجية للإتحاد سعيا في السيطرة والإنتقال به إلى مستوى عامل قوة عالمية، كما توحي إلى ذلك إستراتيجيته نحو العالم التي أطلقتها في عام 2016 مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، السيدة فيديريكا موغيريني، وتضاعفت وتيرتها في الوقت الذي إتخذت فيه الولايات المتحدة الأمريكية خطوات مفاجئة أدت إلى إنسحابها من المشهد في بعض أنحاء العالم خاصة أماكن التوتر مما أحدث "فراغ القيادة'' والتحكم في الأوضاع الإقتصادية، السياسية والأمنية هناك.


وقد يمكن أن يكون نهج الاتحاد الأوروبي التفاعلي، على عكس النهج الاستباقي في نزاع الصحراء الغربية، علامة على أنه عند مفترق طرق بين الموقف الخارجي والنهج الداخلي في سياق التحديات الداخلية التي تميل لها الكفة في الظرفية الحالية، والنظر إلى التخطيط والاستراتيجية السياسية المعتمدة لا تساعد في إعطاء ثقل للاتحاد الأوروبي في الساحة الدولية، يمكن تفسير فشل في الوصول إلى قوة فاعلة عالمية هو غياب تماسك وتوافق على مستوى الداخل تجاه الكثير من القضايا الخارجية، من بينها مثلا ميل بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى إعتبار مناطق معينة كمجال عمل خاص بها يكاد يكون حصريا، على سبيل المثال، كانت العلاقات مع المغرب تحمل علامة الدعم الفرنسي، وكمثال أخر هناك بعض الدول تختار متابعة وضمان مصالحها الوطنية الخاصة، حتى ولو تتعارض في ذلك مع مبادئ الاتحاد الأوروبي، ومثال على ذلك الدور السلبي الذي لعبته إسبانيا في الضغط على نوابها في البرلمان الأوروبي للمصادقة على  إتفاقية مصائد الأسماك المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تشمل الصحراء الغربية المحتلة، رغم عدم شرعيتها وإنتهاكها للقانون الدولي والأوروبي، مما أدى إلى خلق إنقسام بين البلدان الأطراف حول هذا الموضوع، قد يضعف مستقبلا مساعيه كلاعب له تأثير في الساحة السياسية الدولية.

وأمام هذا الوضع الداخلي غير المريح، يضع الاتحاد الأوروبي من ضمن أولوياته، فرض أجندة شاملة تحظى بموافقة من قبل جميع البلدان تجاه المنطقة الأورومتوسطية، قصد الحفاظ على علاقات الشراكة الجيدة مع دول تلك المنطقة التي يعود لها الفضل في الإنتعاش والنجاح الكبير الذي وصل إليه الإقتصاد الأوروبي هناك، ما من شأنه أن ينتقل نحو الهيمنة والتأثير على الوضع السياسي، خاصة في بلدان شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء الكبرى.


وبناء على ذلك، فقد تعهد الصندوق الإنمائي للاتحاد الأوروبي المخصص لإفريقيا، بدفع ما قيمته 3.3 مليار يورو لوقف الهجرة غير الشرعية ومعالجة المشاكل الداخلية، كما تم رسم خطة للاستثمار الخارجي للإتحاد المخصصة للبلدان الأفريقية، خاصة البلدان المجاورة بمساهمة تصل قيمتها إلى 4.1 مليار يورو من المفوضية الأوروبية ومن الممكن أن تتضاعف إلى 44 مليار يورو من الاستثمارات في عام 2020، هذا بالإضافة إلى تغيير النهج المتبع في المغرب خلال الفترة 2014-2017، حيث تلقى فيه دعما قيمته ما بين 728 و 890 مليون يورو على شكل مساعدات مالية موجهة إلى دول الجوار.

هذا الجهد الاقتصادي الذي لا يضاهى سمي بـ"خطة يونكر"، نسبة الى القائد الامريكي أثناء الحرب العالمية الثانية، يمكن أن يتبع خطوة سلفه ويتجاوز التجارة نحو فرض نفوذ سياسي، ومصدر قيادة وعامل تغيير في المنطقة، إلا أنه وقبل ذلك لابد من أن تتم معالجة الأسباب الهيكلية لضعف الاتحاد الأوروبي كقوة عالمية، فإن دول الاتحاد الأوروبي تميل إلى أكثر إلى التجارة. ورغم القيود التي يستلزمها هذا النهج، يكافح الاتحاد الأوروبي من أجل ممارسة نفوذه كي يمتد إلى الصحراء الغربية، لكن يبقى إدراج هذه القضية من قبل الامم المتحدة ضمن المسائل المتلقة بتصفية الإستعمار، عامل يقف أمام قيام الاتحاد الأوروبي بأي نشاط في المنطقة بشكل عام.