’’عجز الأمم المتحدة وعدم جدوائيتها‘‘ عوامل زادت من معاناة الشعب الصحراوي وإستمرار لسلب حقوقه.


أخر ثلاث أمناء عامون للأمم المتحدة : بان كي مون، أنطونيو غوتيريس، كوفي عنان 


لقد أثبت مرة أخرى الصراع في الصحراء الغربية، أن الأمم المتحدة عديمة الفائدة، تستحق قرار تعليق عملها، وبأن تحل محلها منظمة أخرى تضم الدول الديمقراطية، وأكثر أخلاقية، ومساواة ، وغير خاضعة للهيمنة واللعبة القذرة من قبل القوى العظمى التي تشرف حاليا على مفاصل الهيئة الأممية وقراراتها إلى أن أصبحت مع مرور الوقت، منظمة عديمة الفائدة ومكلفة، بل الأسوء من ذلك فاسدة وغير عادلة، تقف عائقا أكثر من راعي للسلام والسلم في العالم، كما أن مجلس الأمن التابع لها، حيث تتمتع فرنسا بحق النقض (الفيتو)، هو أكبر مكان للنصب والمساومة والمقايضة، في حين أن جمعيتها العامة هي المساحة التي تستخدمها الدول الديكتاتورية والمجرمين للجلوس على قدم المساواة مع الديمقراطيين والأشخاص الشرفاء في العالم. 

إن نزاع الصحراء الغربية ومنذ بدايته، سجل محاولات الكثير من الأمناء العامون الذين تعاقبوا على رأس هيئة الأمم المتحدة بذل جهود تفضي إلى حل نهائي، لكن وإلى الآن لم ينجح أي منهم في ذلك، رغم الدرجات المتفاوته بين جهود بعضهم عن الأخر، لتبقى بذلك معاجلة الأمم المتحدة للنزاع تعد أكبر كارثة في تاريخ النزاعات الدولية، بعدما حولت أيام الشعب الصحراوي إلى أسوأ كابوس في تاريخنا الحاضر، إثر فشل جميع الجهود التي بذلتها مراراً وتكراراً في التفاوض للإتفاق على حل نهائي بشأن الأراضي المتنازع عليها منذ عام 1975، عقب مغادرة القوة الاستعمارية الإسبانية للإقليم بطريقة غير قانونية ولاأخلاقية، أسفرت عن  بداية لمواجهة عسكرية إستمرت حتى عام 1991، عندما تدخلت الأمم المتحدة بمقترح إتفاق وقف إطلاق النار لإجراء إستفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي حول الإقليم.

اليوم وبعد مرور حوالي 45 عامًا من عمر النزاع،  في سيناريو يبدو وكأنه مجرد كذبة، أصبح الصحراويون أبعد ما يكونون عن رؤية حل في الأفق، عكس ما كان عليه الحال قبل 20 عامًا، عندما وعدت الأمم المتحدة في عام 1991 بحل النزاع في فترة لا تتجاوز عامين، أي ما سوف يستغرقه إجراء تعداد كامل والتصويت على إستفتاء لتقرير المصير، لكن طول الوقت وعدم الوفاء بالعهد ومجموعة من الظروف الأخرى والحقائق التي أصبحت واضحة للعيان، ساهمت إلى حد كبير في تغيير نظرة الأغلبية الساحقة من الصحراويين، وصار إيمانهم بأن الحل الوحيد لإجبار المغرب على إنهاء إحتلاله لبلدهم،  هو العودة إلى الكفاح المسلح، الأمر الذي لطالما حاولت الأمم المتحدة ومجلس الأمن تجنب وقوعه بأي ثمن، لكنهم في مقابل لم يتخذوا أية قرارات حاسمة وإيجابية قد تساهم في ذلك، بل صاروا على النهج السلبي وإعطاء الوضع المتقدم للمغرب، كنوع من الدعم لإطالة أمد النزاع.


أسوء الأمناء العامون.

بطرس غالي : الصديق الحميم للملك الحسن الثاني، الأمين العام المثير للجدل، لطالما كان في طرحه لصالح المغرب، وبرز هذا الموقف بشكل كبير، حيث أنه وأثناء عملية إجراء التعداد والاستفتاء الذي لم يتم لاحقا، مما أعاق القرار. كما كشف السفير الأمريكي السابق فرانك رودي أنه سبق وطلب من موظفيه عدة المرات الحصول على خدمات الجنسية المغربية بالإضافة إلى زيارة المغرب لتناول الطعام الكسكس معهم. وفي الجهة المقابلة كان للأمين العام للأمم المتحدة خلاف مع الرئيس الصحراوي السابق، محمد عبد العزيز، في عام 1992، عقب رفض الأخير، لوساطة الجنرال فيرنون والتر بسبب صداقته المعروفة مع النظام المغربي، هذا الموقف كان سببا للمواجهة بين محمد عبر العزيز وبطرس غالي الذي سخر فيما بعد فترة ولايته لخدمة توغل الإحتلال في أراضي الصحراء الغربية، إلى أن تم التصويت على فصله كأول أمين عام للهيئة الأممية ينهى مهامه بهذا الشكل.

كوفي عنان :  عندما أنتخب على رأس المنظمة، أظهر في البداية إستعداد ورغبة لحل النزاع، لكنه في الحقيقة كان شيء أخر، في المقام الأول أثار 3 خيارات : الاستفتاء، تقسيم الأراضي أو سحب الأمم المتحدة من المنطقة. وفي عام 1997، إختار جيمس بيكر ممثلاً له، الشيء الذي أثار بعض التفاؤل لدى الصحراويين بشأن التوصل إلى حل، تمكن خلال ولايته من عقد لقاءات بين المغرب وجبهة البوليساريو في لشبونة وهيوستن ولندن، أسفرت عن الإتفاق على عدد الناخبين وتاريخ الاستفتاء، 8 ديسمبر 1998، وإستمرت الأوضاع بشكل جيد وسلس، إلى أن بدء نزاع أخر وسط النزاع، سببه طلب المغرب جمع المزيد من الناخبين، الذي قوبل بالرفض فيما بعد، لأن عملية تحديد الهوية قد تمت، ونشرت الأمم المتحدة في العام 2000، القائمة التي تسم تسجيلها في التسع سنوات السابقة، تضم 86381 ناخباً مؤهلا، تأكد من خلالها للمغرب أن النتيجة ستكون لصالح الاستقلال حيث سارع إلى إتخاذ خطوة إستئناف لم يسمع عنها من قبل، تتمثل في تقديم ما يقارب من 130،000 ناخبا، غالبيتهم تفتقر إلى الأساس القانوني للمشاركة في الإستفتاء. ومنذ تلك اللحظة، تخلى كوفي عنان تدريجياً عن إهتمامه، وصرح لوسائل الإعلام أنه بدلاً من حل النزاع، تم دفع الوضع إلى الوراء. منذ تلك اللحظة، توقف جيمس بيكر وكوفي عنان عن الوثوق بخطة السلام، وعملوا على تقليص الحلول إلى حل واحد، والإدراك أن هذا الملف الرابح فيه الأكبر هو طرف واحد، على الرغم من العوائق التي وضعها في طريقهم، إلا أنه لم يتعرض إلى أية عقوبات تذكر.

بان كي مون : ربما يكون أسوء من تزعم المنظمة، لم يقدم سوى القليل فيما يخص القضية الصحراوية، إلا أنه ومع ذلك ، فقد خلق الصراع بين المغرب والأمم المتحدة. رغم أنه وخلال سنواته الثمانية، لم يتذكر نزاع الصحراء الغربية إلى في السنة الأخيرة من ولايته. كما تجدر الإشارة إلى أنه وخلال فترة ولايته، ذهب المغرب إلى أبعد الحدود في تعنته، كما رفض الإجتماع بجبهة البوليساريو متجاهلا كل الدعوات لذلك، ما جعل المغرب في صراع صامت مع الأمم المتحدة منذ مدة طويلة، إلا أن زادت حدة التوتر بين الجانبين وتحولت إلى حرب دبلوماسية غير مسبوقة في السنة الأخيرة، والسبب في ذلك هو عدم احترام المغرب للأمين العام للأمم المتحدة.

لقد أقدم المغرب إتخاذ قرار غير مدروس بطرد العنصر المدني من موظفي بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، ونظم مظاهرات في البلاد ضد بان كي مون، وعاملوه بإحتقار شديد ومحاول تشويه سمعته من خلال وصفه بأنه "مجنون". رغم أنه وخلال فترة عمله كأمين للأمين العام للأمم المتحدة، أقدم المغرب وهي المرة الأولى على إنتهاك إتفاق وقف إطلاق النار منذ توقيعه قبل 26 عاما حسب تقرير مسرب. ناهيك عن الشكل العنيف الذي قام به عندما الهجوم العسكري على مخيم أكديم إزيك وخطف السجناء السياسيين الصحراويين الذين حكم عليه بأحكام صورية. لكن ورغم كل هذا الخليط من انتهاكات حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، لم يتلقى النظام المغربي أية عقوبات تذكر. ما يجعلنا نتسائل كيف تمكن المغرب من مواجهة بان كي مون رغم كل ما سجل ضده من إنتهاكات ؟

أنطونيو غوتيريس : أنتخب في يناير 2017، أمينا عاما لمنظمة الأمم المتحدة، سبق وأن زار مخيمات اللاجئين الصحراويين في عام 2009 عندما كان رئيسًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وعقد اجتماعًا مع الرئيس الصحراوي السابق محمد عبد العزيز، نقل فيه قلقه ووعده بالمساهمة في حل النزاع، وفي بداية ولايته على رأس المنظمة قبل عامين، لم يدخل في أية مواجهة النظام المغربي، كما أنه لم يسمح بالإطلاع على فحوى تقريره عن حول النزاع، مما خلق بعض التفاؤل لدى الصحراويين، إلا أن ذلك لم يستمر طويلا حيث كان تقريره مخيبا لآمال بعد أن أصبح تقديمه أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2017، وصفه غالبية الصحراويون بأنه التقرير الأسوأ في التاريخ. رغم الإشارة إلى إعادة إطلاق المفاوضات بديناميكية جديدة تشمل البلدان المجاوران موريتانيا والجزائر، تقدم يحسب للدبلوماسي الأوروبي إلا أن كل شيء إنهار بعد استقالة مبعوثه في المنطقة الرئيس الألماني هورست كولر.



النتيجة السيئة.

بعد مرور 45 عامًا على عمل الأمم المتحدة في قضية الصحراء الغربية، وتعاقب ل 6 من الأمناء العامين، و 4 مبعوثين شخصيين، و 47 تقريراً من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، و 51 تقريراً من مختلف الأمناء العامين للأمم المتحدة، لا يزال وضع الشعب الصحراوي كما هو عليه منذ في عام 1975، أي منذ الإجتياح العسكري المغربي، ومع ذلك، تواصل هذه المنظمة الأممية، جعل الشعب الصحراوي يعتقد أنه بإمكانها حل النزاع من خلال التقارير أو البيانات الدورية غايتها رفع معنويات الصحراويين، وهي خطة سوسيولجية قذرة للغاية، والتي من المدهش أنها لا تزال تمضي لصالحهم، رغم الحقيقة أن النراع الصحراء الغربية وقضية آخر مستعمرة في إفريقيا، يعد بمثابة فشل هائل، مطلق وغير مسبوق للأمم المتحدة، بغض النظر عن ما يحاولون تعويضه في هذا الجانب.

إن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير غير قابل للتصرف ولا يمكن دحضه، وكما علمنا التاريخ، لم تُربح الحقوق أبدًا في مكاتب الأمم المتحدة الحديثة أو تجمعات الأصدقاء المزيفين، فالشعب الصحراوي يحتاج إلى ضربة على الطاولة، وإعادة توجيه مستقبله، والبدء في أن تكون دولته ذات إقليم معترف به، و أن لا تسمح بأن تكون أضحوكة لكل بلد أو مسؤول سياسي أجنبي، يلقي بعبارات سامة على الجمهور بهدف تهدئة توتر الشعب الصحراوي وإبقائه في مكانه الطبيعي. وصولا إلى هذا الحد، يبقى السؤال هل الأمم المتحدة هي فعلا لازمة ولا مفر عن قراراتها ؟

إن 45 عاما من الإستعمار والكذب في وسط صحراء نائية، مدة ليست بالقصيرة أو السهلة، قضاها الصحراويون بعيدون عن  أرضهم وحلم الاستقلال والعودة، لكن للأسف في مقابل ذلك  يسمح للمغرب بتعزيز وتقوية نفسه ووجوده على أرض لا يمتلك حق السيادة عليها أو على مواردها الطبيعية، ، لذا بات من الواجب على كل صحراوي مراجعة التاريخ ومعرفة ما إذا كان قد تقدم فعلاً بشيء في هذا النزاع أم الأمور تمشي عكس ذلك.