ملك المغرب والإستمرار في سياسة الهروب إلى الأمام

عاهل المغرب محمد السادس


يبدو وأن نزاع الصحراء الغربية لا يزال بعيدا كل البعد عن الحل، بل في كل مرة يتأكد المتتبع لهذه القضية ولكيفية تعاطي النظام المغربي معها، أن إنتظار هذا الأخير الإلتزام بالقانون الدولي والإمتثال لقرارت الأمم المتحدة بشأن مخطط السلام الأممي-الإفريقي أمر مستحيل للغاية، وخير دليل على ذلك هو ما جاء في خطاب عاهل المغرب اليوم الإثنين 29 يوليو، من تكرار لنفس المصطلحات بل بنوع من التشدد والعجرفة في التعبير بشكل بعيد عن الواقع على ''أن لا حل خارج السيادة المغربية المزعومة ومقترح الحكم الذاتي''، كسقف ومموقف وحيد يمكن أن يقدم إلى الأمم المتحدة في المسار التسوية الذي تشرف عليه بهدف تصفية الإستعمار في الصحراء الغربية. 

هذا الموقف المعبر عنه من قبل أعلى سلطة في المغرب والشخص الوحيد بعد فرنسا المخول له إبداء الرأي في هذه القضية، يؤكد مرة أخرى أنه وبدون رفع القضية الصحراء الغربية من قبل مجلس الأمن إلى البند السابع، وفرض تطبيق القانون الدولي لحل النزاع، لا يمكن بأي حال من الأحوال إنهاءه عبر البقاء على هذا النهج الذي ظل لعدة سنوات دون أن يحرز أي تقدم إيجابي أو شيء من هذا القبيل يعطي أملا في الإستمرار على هذا النحو، كما أن حديث العاهل المغربي أوضح بعده عن الواقع، والتناقض الكبير الذي سقط فيه النظام الإستعماري حول إستعداده ورغبته في التعاون مع الأمم المتحدة، وطموحه في إنهاء النزاع وبناء إتحاد مغاربي للشعوب والحفاظ على الأمن والإستقرار في منطقة شمال إفريقيا، إلا أن كل هذه الشعارات كلما زاد الوقت إتضح زيفها، وعدم حسن نية المغرب وصدقه المزعوم تجاه مستقبل شعبه وباقي شعوب دول الجوار. 

إن إصرار العاهل المغربي على جعل ملف التسوية حصري على الأمم المتحدة، هو ترجمة لرفض أي تدخل أو مبادرة من الإتحاد الإفريقي في ملف التسوية، وبالتالي هنا تجلت نوايا المغرب وأهدافه من الإنضمام إلى الإتحاد الإفريقي، أولا: العرقلة والتشويش على جهوده المبذولة لحل النزاع الصحراوي-المغربي، وثانيا: خلق إنشقاق وإنقسام بداخله (أي الإتحاد) وجعل ذلك وسيلة لتعطيل طموح قادة الأفارقة في مناهضة الإستعمار والرفع من مستوى إقتصاد القارة والقضاء على الفوراق الإجتماعية والفقر وغيره من مظاهر التخلف في كل الأصعدة والمستويات، كما أن محاولة إبعاد الإتحاد الإفريقي عن القضية عكست خروج ملك المغرب عن الإجماع القاري بشأن حل قضايا بلدان القارة من قبل قادتها ومن داخل هذا الصرح القاري الذي أثبت قدرته على طرح ومناقشة كل المظاهر التي تجعل من إفريقيا متخلفة وغير قادرة على الإتحاد وضمان حقوق شعوبها. 


وحول موضوع الأمن الإقليمي، بدا من خلال حديث العاهل المغربي عن هذا الموضوع ولأول مرة في خطابه، وكأنه غاضب من الدور المتقدم لبلدان الجوار في مواجهة التحديات الأمنية ونجاحها في الحد من وتيرة أنشطة الجماعات الإرهابية وتهريب المخدرات والجريمة المنظمة خاصة على حدود الصحراء والساحل وثغرات جدار العار المغربي في الصحراء الغربية، ولعل قوله أن ’’التحديات الأمنية لا يمكن لبلد وحده رفعها‘‘ يمكنه قراءته إشارة إلى الجزائر ومحاولة لإقصاء الجمهورية الصحراوية وتجربتها الرائدة في هذا الجانب، وهي التي أصبحت محل إشادة وتقدير من قبل بلدان الجوار ذات الإهتمام المشترك مع الدولة الصحراوية في التصدي لهذه الظواهر السلبية التي تريد العصف بأمن وإستقرار بلدان وشعوب المنطقة.

إن رهان القصر على تسويق قضية الصحراء الغربية بأنها غاية في الأهمية ومصيرية، ومسألة حياة أو موت بالنسبة للشعب المغربي لايزال قائما، ويظهر ذلك جليا من خلال صياغة كلمات عاطفية للعب على مشاعر هذا الشعب والزج به في قضية بعيدة كل البعد عن إهتماماته اليومية الكثيرة في ظل غياب كلي للأبسط الحقوق والمستوى المتدني لهذا البلد في مختلف المجالات كما أقر به العاهل المغربي نفسه ومستشاريه مؤخرا، إلا أن فكرة الدفع بالشعب المغربي والإستعانة به كورقة لتحقيق أهداف توسعية تخدم مصالح القصر، وجعله مجرد وسيلة ضغط على المجتمع الدولي والأمم المتحدة، من خلال تغذيته بأوهام وخطاب عاطفي بهدف تجييشه والدفع به إلى الواجهة كلما فشل المغرب في فرض الأمر الواقع في الصحراء الغربية، أو عندما يشتد عليه الخناق  من قبل المجتمع الدولي في مسار التسوية الأممي-الإفريقي لهذه القضية السياسية.

و يبقى خطاب ملك المغرب هذا، بعد عشرون سنة من إحكام قبضته على الحكم، مليء بالتناقضات، خاصة من خلال الإصرار على ضم وإحتلال الصحراء الغربية بمنطق التنعت وفرض الأمر الواقع، والإعتراف بعدم القدرة على النجاح في تسيير بلده، والإستمرار على النحو رغم التدهور الخطير في شتى المجالات، وفشل جل السياسيات والمشاريع والخطط التي أطلقها منذ أول أيام حكمه، وفي مقابل ذلك تصنيفه ضمن قائمة عشر رؤساء ثراء في العالم، ما يثبت بأن عقدين من الحكم لم يكن خلالها المواطن المغربي وبلده من ضمن أولويات الحاكم المهيمن الذي جعل من حكمه مطية للثراء والغنى الفاحش له ولأسرته على حساب حقوق شعب لا معين له إلا الله.